تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اقتحام سجن أريحا.. بين العجز و التواطؤ!

شؤون سياسية
الثلاثاء 21/3/2006
سليم عبود

بالرغم من حاجتنا إلى إجابات قاطعة تعكسها أبعاد المآسي التي نعانيها فإن الأسئلة تبقى ضرورية لنقارب دلالات الأحداث التي تمر بالمنطقة.. فاقتحام سجن أريحا يطرح أسئلة في زمن ضياع الموقف العربي الموحد وغياب الصدى الدولي.

الأسئلة كثيرة تمسك ببعضها: لماذا اقتحمت إسرائيل سجن أريحا?.. وهل جاء الاقتحام لاعتقال سعدات والشوبكي ورفاقهما أم أنه هدف إلى ما هو أبعد?!.. وهل كان المراقبون الأميركيون والبريطانيون على علم بالاقتحام قبل حدوثه وأن توافقا مسبقا على هذا الإجراء تم بين الاسرائيليين والأميركيين والبريطانيين وأنهم أرادوا إرسال رسالة مشتركة إلى حماس قبل أن تتسلم السلطة, أم أن الاقتحام كان جزءا من برنامج انتخابي أراد أولمرت تقديمه للناخب الإسرائيلي ليبرهن عن قدرته على ممارسة الحقد والكراهية للفلسطينيين كما فعل قادة إسرائيليون آخرون قبل كل انتخابات إسرائيلية على مدى عقود? كي لا يبدو حدث اقتحام السجن منفصلا عن مجمل موضوع الاحتلال الإسرائيلي وأبعاده الاستراتيجية فإسرائيل عبر تاريخها الدموي الإرهابي لم تقم بعمل إجرامي واحد ضد العرب إلا كان مدروسا من قبل مع قوى كبرى, واقتحام سجن أريحا جاء في هذا السياق فقد حظي بدعم أميركي وبريطاني مسبق وباعتراف أولمرت لأن عملية الاقتحام تمثل أبعادا وأهدافا أكبر من كونها اقتحاما عاديا تمارسه إسرائيل بشكل يومي على المدن والقرى الفلسطينية بذريعة أو من دون ذريعة عبر أسلوب عدواني منهجي يهدف إلى قتل الحياة في الأراضي الفلسطينية فهو يحمل مجموعة من الأهداف في آن.‏

بعدما بات واضحا للإسرائيليين والأميركيين والبريطانيين أن حماس سوف تشكل الحكومة الفلسطينية الجديدة بدؤوا بوضع العراقيل وإطلاق التهديدات بأنهم لن يكونوا أبدا متعاونين في أي شيء مع حماس ومع السلطة الفلسطينية إلا اذا تخلت حماس عن استراتيجيتها واعترفت بإسرائيل وتخلت عن المقاومة وخضعت للإملاءات التي صارت تقدم باسم ( الشرعية الدولية) ولكن حماس تجاهلت تلك التهديدات لأنها تدرك ما الذي تريده أميركا.‏

يتساءل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس: من سيعترف بمن .. حماس أم إسرائيل , القاتل أم المقتول??!!‏

تساؤل حماس تجاهلته القوى الدولية والأطراف العربية التي توصلت إلى اتفاقات مع إسرائيل التي لم تعلن عن حدودها منذ قيامها وهي في الأساس ترفض الوجود الفلسطيني كله في الضفة والقطاع. الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من أيلول 2001 التي تطالب دول المنطقة بانتخابات حرة ونزيهة لم تجد ما يمكنها من الطعن بشرعية الانتخابات الفلسطينية التي أوصلت حماس إلى السلطة, ونجاح حماس يشكل للأميركيين والإسرائيليين صدمة كبيرة وتحديا لسلوكهم المناور لهذا لم يخف الأميركيون والإسرائيليون امتعاضهم من وصول حماس وإعلانهم مقاطعتها إن لم تعترف بإسرائيل وبالاتفاقات التي قال عنها شارون إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه فلماذا مطالبة حماس الاعتراف بخريطة واتفاقات جمدتها إسرائيل وأعلنت تحفظها عليها . الإسرائيليون إضافة إلى تقاطعهم مع الموقف الأميركي البريطاني من حماس, يتطلعون إلى ( خطة الانتقام) الخاصة بهم, فهم وخصوصا إيهود أولمرت الراغب في ترسيخ مفهوم ( اللا شريك) تمهيدا لتنفيذ ( خطة الانطواء) من طرف واحد ايضا لايجدون مصلحة لهم في سلطة فلسطينية قادرة ولذلك عمدوا إلى تقليص الاتصالات وتفكيك العلاقات وإعادة صياغة مفهوم التعاون على أساس الانفصال المفروض, ولهذا السبب أقدمت إسرائيل على تشديد الحصار على أريحا المطوقة أساسا منذ الاحتلال عام 1967 وإلى التقدم نحو السجن لتدميره واعتقال المئات ممن كانوا فيه من رجال الأمن والمعتقلين الفلسطينيين وفي مقدمتهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات ما أدى إلى استشهاد ثلاثة فلسطينيين بينهم عنصران في قوات الشرطة وأحد السجناء بالإضافة إلى إصابة 26 آخرين بجروح.‏

كان يقبع في المقاطعة سعدات الذي اعتقلته السلطة الفلسطينية ورفاقه بتهمة اغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي واللواء في حركة فتح فؤاد الشوبكي المتهم بتنظيم رحلة سفينة السلاح ( كارين إي) بموجب ( اتفاقية رام الله) في كانون الثاني 2002 التي أبرمت أثناء الحصار الإسرائيلي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ( المقاطعة) في رام الله وقضت بوضع سعدات ورفاقه والشوبكي في سجن رام الله تحت رقابة أميركية بريطانية مشتركة وذلك في مقابل فك الحصار عن عرفات وابتعاد القوات الإسرائيلية عن ( المقاطعة) في رام الله. من الواضح منذ لحظة ظهور فوز حماس أدرك الأميركيون والإسرائيليون أن قواعد اللعبة قد تغيرت في فلسطين كما هي بدأت تتغير في العراق وفي لبنان وفي دول كثيرة في المنطقة, قبل أربعة أيام على الاقتحام أعلن التلفزيون الإسرائيلي عن استعدادات عسكرية في محيط أريحا تحسبا لاحتمال الإفراج عن سعدات ورفاقه, وتؤكد السلطة الفلسطينية أنها لم تتلق من الأميركيين والأوروبيين أي إشارة حول النية لسحب المراقبين, ولكن المصادر البريطانية والأميركية تتحدث عن أنه في 8 آذار الحالي صاغ القنصلان الأميركي والبريطاني في القدس المحتلة رسالة مشتركة وجهاها للحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية تفيد بالنية في إخلاء المراقبين في 14 آذار لأنها لم تعد تأمن على سلامتهم في ظل الأوضاع الجديدة كي يبدو الأمر وكأن القضية قضية خوف على مراقبين عزل لم يكونوا في الماضي في خطر ولا في المستقبل في خطر. إن الفترة الفاصلة بين الانسحاب والاقتحام والتي لا تتعدى الدقائق تؤكد وجود تنسيق حول ما حصل.‏

قضية اقتحام سجن أريحا واعتقال سعدات فضحت الاتفاقيات والرعاية الدولية والوضع العربي الذي ظل صامتا على كل ما حدث وهذا ما شجع الإسرائيليين دائما على فعل ما يريدون فعله وشجع الأميركيين على تجاهل مشاعر الشارع العربي.. فإسرائيل تمارس كل ما تريده .. تقتل, تدمر, تهدم, تفصل, تحاصر, تعتقل, وجميعها بالجملة من دون أن تتعرض لأي إدانة فعلية أو عقاب حقيقي, والفلسطيني عاجز حتى اليوم عن لم الشمل العربي خلفه أو توحيد كلمته بشأن حكومته أو وجهته أو وسائل نضاله.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية