تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محطـــات ثقـــافية

ملحق ثقافي
21/3/2006م
فايز خضور

«يقولون: جاهدْ ياجميلُ بغزوةٍ، فأيَّ جهاد غيَرهنَّ أريدُ..؟!»، تلك هي حال زعيم المدرسة «العذرية» في تراث الشعر العربي«جميل بن مَعْمَر» المعروف بحبيبته «بثينة»، التي أصبح اسمها كُنيةً له، ولقباً لايفارقه منذ مئات السنين،

حيث ردّ على المتقولين، وحسم الأمر- لصالحه طبعاً-. إذ لعل مزاوداً يقف اليوم في وجهنا، منتقداً حديثنا عن العشق، بينما الوطن الكبير يشتعل من أطرافه الأربعة. وهذا المزاود« المعاق» لايدري أن الحياة «سيمفونية» متكاملة الأداء والأدوات. فالإتجاه العذري في الخطاب ضم العديد الكثير، مما حدا ببعض الدارسين« المنحازين» الى إدخال العذرية بالمذاهب« الصوفية»، إذ لابد من المبالغة وإيجاد ماهو غير موجود، حين قارن الباحثون شعراءنا العذريين بالعشاق الأفلاطونيين، لدى الأمم الأخرى. ولكننا هنا لن ننحاز ولن نُجحف بحق أحد، إذ نكتفي بثلاثة شعراء جمع بينهم« الإنتساب» إلى المحبوبة والاشتهار بها:فالأول كما قلنا، هو جميل بثينة بن مَعْمَر والثاني العباس بن الأحنف، وحبيبته« فوز» .والثالث هو الضئيل الواله كُثَيِّر بن عبد الرحمن، ومعشوقته «عَزَّه»، فكل واحد منهم يقتفي هواه. والهوى العذري -يؤكد ذلك علماء النفس- هو عاطفة غير طبيعية، لاتصدر إلا عَمَّن حُرِموا قوة الحياة.فالعذرية قول لافعل فيه، أو معه. فيقول جميل عطفاَ على ما تقدّم: «لكل حديث عندهن بشاشةٌ. وكل قتيل بينهنّ شهيدُ» والحب العذري لايقوم على الزهد المطلق في المتعة الحسية- الجنسية، وإنما يقوم على أساس الصراع بين روحين تغالبان مطامع الأفئدة، ومتطلبات الحواس. والحب العذري على حد تعريف الباحث زكي مبارك «هو معركة عنيفة تقع في ميدانين: الأول ميدان الصراع بين الشاعر وهواه، والميدان الثاني ميدان القتال بين الشاعر ومن يهواه.»..!! عندما ابتكر الرواة سرد القصص، فإنهم قد فعلوا ذلك استجابة لذوق جمهور المستمعين والقارئين في عصر بني أمية وبني العباس، وقد لوّنوا هذا القَصص الغرامي بألوان مختلفة، ليصوِّروا عدداً من أهواء القلوب، وأوطار النفوس. فقصة عمر بن أبي ربيعة، هي قصة العاشق الملول الذي يتنقل بين أطايب الحسن من روض إلى روض. وقصة قيس بن الملوّح هي قصة المتيم المقيّد الذي يقضي عمره أسيراً لهوى واحد، حتى يصاب بالجنون. وقصة قيس بن ذَريح هي قصة الزوج الذي يعاديه أبواه في زوجته الوفية، ويرجوان أن يطيع هواهما، فيطيع ويصوّب إلى زوجته سهم التسريح «الطلاق».. وهكذا فما هي قصة شاعرنا جميل..؟! كغيرها من القصص، لابد من إدخال تفاصيل ليست موجودة ولم تحدث، ضمن تفاصيل وجدت وحدثت، إنها مخيلة الرواة والذوق الشعبي الميال دائماً إلى المبالغة والتفريط، سلباً كان أم إيجاباً. فالإشادة بمكانته في الشعر والعشق، هي استجابة لنزعة نفسية تؤكد الشوق إلى أن يكون في تاريخ العرب عاشق يبلغ منازل الأبطال في كرم النفس وشرف الوجدان. فقصته من النوادر في تاريخ الأدب العربي، فهو من حيث الشعر رجلٌ قويُّ الأسْر، محكم الأسلوب، وقد استعد للشعر كل الاستعداد، وقد جاء في كتاب الأغاني- أخبار جميل أنه« كان راويةَ هُدبة بن خشرم،و كان هدبة شاعراً راوية للحطيئة، وكان الحطيئة شاعراً راوية لزهير.». أي أنه موصول الأواصر بمدرسة شعرية كان لها تاريخ حافل في الحرص على شرف المعنى وقوة الأسلوب: وأما العشق فقد تأهب له بمواهب تجعل قصته على جانب عظيم من الجاذبية، فقد كان فتى عفيف النفس شجاع القلب، يخافه العدوّ، ويرجوه الصديق. ولم يكن العشق عنده فناً من اللهو والعبث، وإنما كان محنةً أصيب بها قلبه الجريء، وقد طال بلاؤه بهذه المحنة، ولم ينقذه منها غير الموت وهو مغترب وحيد..!!‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية