تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


يوسف جد (2481-3091) بدايات المسرح السوري

ملحق ثقافي
21/3/2006م
د.جوزيف جد- حلب حفيد المرحوم يوسف جد

ولد يوسف جد يوم الأحد في 72 شباط 2481 من أسرة حلبية عربية اشتهرت أولا بالطب ثم بالتجارة، ومن والدين فاضلين نعمة الله بن يوسف جد وكاترين بنت أنطوان بطق وربياه تربية صالحة وفي أحسن المدارس.

‏‏

بدأ دراسته في المدرسة المارونية بحلب وكانت من أهم المدارس الراقية في ذلك العهد، تخرج منها الكثير من أعيان حلب وأتقن فيها مبادىء اللغتين العربية والتركية مع أصول الحساب، ولما كان والده موسرا محبا للعلم والثقافة أرسله إلى مدرسة عينطورة في لبنان، وهي أشهر معاهد الشرق الثقافية في ذلك الزمان وتخرج منها متقنا اللغات العربية والتركية والإيطالية والإنكليزية ثم عاد إلى حلب ليعمل مع والده في التجارة لكنه كان يميل أكثر إلى الثقافة والعلم والمطالعة لا سيما الأدبية والتاريخية والأخلاقية منها للتجارة فأخذ يفكر بالكتابة وكانت أولى مؤلفاته مسرحية سماها ( بريجيت) أخذت شهرة واسعة في ذلك الوقت وبها افتتح عصر المسرح في سورية بالمأساة دون الهزل، ونظرا لثقافته الواسعة وإجادته عدة لغات فقد عين ترجمانا لولاية حلب لمدة 42 عاما ونيف تعاقب عليه سبعة عشر واليا كان موضوع ثقتهم واحترامهم جميعا لما اتصف بالأخلاق الحميدة والنزاهة والجد والإخلاص والشعور بالمسؤولية في عمله،‏‏

‏‏

مما دفع حكومة الباب العالي بمكافأته بمنحة المرتبة الثالثة في منصبه، كما انتخب قاضياً في محكمة الجزاء البدائية في أيلول عام 8981 كما كان عضواً في مجلس إدارة ولاية حلب وهذا ما منحه نفوذاً ومكانة نادرتين بين قومه بل همزة الوصل بينهم وبين الوالي وكبار الموظفين الأتراك حتى أصبح « يمين أعيان النصارى وأعظم وجهائهم يرجعون إليه في فض مشاكلهم ويصدرون عن رأيه في شؤونهم ويستنجدونه يرجعون إليه في فض مشاكلهم ويصدرون عن رأيه في شؤونهم ويستجدونه لدى الوالي وكبار الموظفين كل مرة لحق بهم حيف أو ضيم «الخور اسقف أغناطيوس سعد في مقدمة المسرحية بريجيت». تزوج يوسف جد من أديل ديليفير وكانت كما يقال على جانب من الذكاء وجمال الخلق والأخلاق وأنجبت له خمسة أولاد أغلبهم توفوا صغار السن وعرفنا منهم اثنتين « بريجيت 8881- 2891» التي تزوجت نجيب حكيم بن الياس المذكور أعلاه و« برناديت 4981-4791»، لكنها توفيت باكراً بعد انجاب آخر مولود برناديت فعافت نفسه الأبية هذه الدنيا ومباهجها وزهد بعالي مناصبها واستقال من منصبه كترجمان ولاية حلب ليتفرغ إلى تربية طفلتيه الباقيتين لكنه أيضاً لم يتمتع طويلاً في تربيتهما فاعتلت صحته ولما شعر بقرب نهاية دوره بهذه الدنيا أوصى أخاه الأصغر المرحوم ألبير جد بن نعمة الله بهما وتوفي بالحصوة في يوم الخميس 01 أيلول عام 3091 فبكته العيون بأحر الدموع وجرى له مأتم حافل عز نظيره في الشهباء ومشى فيه كبار رجال الولاية والوجهاء والأعيان من مختلف الطوائف والمذاهب. أما مسرحيته « بريجيت» فهي مأساة ذات خمسةفصول مستوحاة على الأرجح من الكتاب المقدس، العهد القديم، فموضوعها أن فيكتورين فتاة رائعة الجمال وذكية نبيلة الأخلاق تؤمن بالإله الواحد أرغمها والدها على الزواج من يفتاح هو ملك وثني يعبد الأصنام لما كان يتمتع من منصب عال وجاه فرضيت على كره منها على هذا الزواج تمكنت بفضل ذكائها ونادر فضائلها أن تدخل حب زوجها إى قلبها وتعيش معه في صفاء ووئام وأنجبت له ولدين بريجيت وإدوار ثم مالبثت اشتعلت نيران الحرب في الأطراف البعيدة الثائرة وبقي عدة سنوات بعيداً عن عائلته منهمكاً في المعركة والحروب وكان يبسم له الحظ تارة ويتجهم تارة أخرى بينما الملكة فيكتورين على أحر من الجمر لانقطاع أخباره وأثر على صحتها وعكر صفاء عيشها فتحسس عليها ابنها إدوار وقد أصبح شاباً فسار في أسطول ضخم لنجدة أبيه وما كاد يقضي ليالي في البحار حتى هبت عليه عاصفة هوجاء فأغرقت سفنه ولم يسلم منها سوى هو وقائده الأمين أسيت وقد قذفتها الأمواج إلى شواطئ فقبلهما ملكها وأعجب بشهامة الأمير إدوار ونبل فؤاده ومضاء عزيمته فجهزه بجيش ليواصل جهاده في نجدة أبيه، وكان الملك الوثني والده في هذه الأثناء قد نذر للآلهة أنه سيضحي لها بأول شخص يقع عليه نظره في بلاطه إذا عاد إلى وطنه ظافراً غانماً ولما انتصر وعاد إلى ملكه كانت لسوء طالعه ابنته بريجيت التي جاءت لاستقباله، هذا الشخص الذي أول من وقع نظره عليه فوقع في صراع مرير بين عاطفة الأبوة بتضحية ابنته وبين الإيفاء لنذره للآلهة انقياداً لنصيحة رئيس كهنة أصنامه فتصدت له زوجته الملكة فيكتورين وحالت دون تنفيذ نذره الباطل ونجحت بذكائها في إرجاعه عن عزمه بالتضحية بابنته بل تمكنت حتى من استمالته إلى عبادة الحق بالإله الواحد والابتعاد عن عبادة الأصنام. هذا هو ملخص المأساة التي افتتح بها يوسف جد المسرح في سورية وقد تخللها حوادث مثيرة ألبسها ثوباً رائعاً وجذاباً مما كان لتمثيلها نجاحاً كبيراً، ومن الجدير بالذكر أن المؤلف الذي أخرج المسرحية بنفسه أخذ على عاتقه كافة المصاريف والنفقات من زينة المسرح والألبسة والتمثيل وغيره حباً منه لهذا الفن ولإظهار عمله الرائع في أبهى صوره. مثلت المسرحية لأول مرة في المدرسة المارونية بحلب يوم الاثنين في 92/1/2781 وكان يوماً مشهوداً وفاتحة نهضة أدبية وفنية لهذا الفن المسرحي الجديد وحضرها أهم شخصيات ولاية حلب من مثقفين وسياسيين يتقدمهم عثمان باشا والي حلب وأعجبوا بها مما دفع الشعراء وقد تجاوز عددهم الثلاثة عشر في تقريظه بقصائد شعرية تمدح شخصه وعمله الفني الجديد نشرت في كتيب صغير عام 3781 وقد استحسن الحلبيون هذا الفن وأعجبوا به إلى حد أن أصروا إلى إعادة تمثيل تلك المسرحية فاستجاب المؤلف لطلبهم يوم الأحد في 61/2/3781. ولا بد هنا أن نشير إلى أن المجتمع الحلبي وضع أمام فن جديد لم يعرفه سابقاً هو التمثيل والمسرح لكنه تقبله بكل امتنان وترحاب بعكس المجتمع الدمشقي الذي رفضه تماماً فلم يلق يوسف جد ما لقيه أبو خليل القباني في دمشق من رفض لأعماله وحرق مسرحه بعد رحيل الوالي الذي كان يغطيه بسبب المعارضة الدينية فالمدرسة المارونية بقيت مزدهرة تلجأ إليها كبار العائلات لتعليم أطفالهم ولا عجب في ذلك فحلب كانت دوما منبعا للفن وراعية له أيا كان فالسهرات الحلبية لا تكتمل إلا إذا تخللها وصلة فنية من الغناء أو الموسيقا، أما الممثلين فقد تجاوز عددهم الخمسة والثلاثون وهو عدد كبير جدا بالنسبة لأول مسرحية ما يدل على ضخامة العمل المقدم وكانوا جميعهم من الرجال لعبوا أدوار الرجال والنساء معا فلم يكن من المألوف في تلك الفترة أن تخرج النساء أمام الجمهور لتمثل أدوارا تختلف عن حياتها الشخصية وقد عرف منهم القليل رحمهم الله جميعا نذكر بعضهم: ألبير جد شقيق المؤلف ووالد المرحوم ريشار جد وأخويه بدور الملك يفتاح، نقولاكي دياب بدور الملكة فيكتورين، حبيب أخرس بدور الأمير ادوار، جرجي ثابت بدور بريجيت، حبيب دياب بدور اميلي، رزق الله بطق بدور القائد أسيت، باسل حجار، البلبل الغريد كما كان يسمى بدور هنريكوس..الخ، وجميعهم من العائلات المعروفة في حلب. يبقى أخيرا سؤال واحد يطرح نفسه لماذا لم يتابع يوسف جد العمل المسرحي خصوصا وأن المجتمع قد شجعه بلفتات جيدة إن بالشعر أو الطلب بإعادة التمثيل أو بمكافأة الوالي له؟ لا نستطيع الاجابة بدقة على هذا السؤال فلم نعثر بعد في مكتبة العائلة ما يشير الى الاستمرار في العمل المسرحي إن بالتأليف أو بالإخراج لكننا نرى أن السبب قد يعود إما لأن العمل المسرحي مكلف جداً وقد أخذ يوسف على عاتقه كامل المصاريف لإخراج عمله هذا كونه كان من العائلات الميسورة ولا نعتقد أن الحلبيين كانوا في حالة مادية تسمح لهم المساهمة بالنفقات أو بفتح مسرح خاص يمكن تقديم فيه الأعمال المسرحية مجاناً خصوصاً وأنه لم يكن في تلك الفترة فرق مسرحية كما هو معروف اليوم أو لأن منصبه العالي الذي استلمه كترجمان ولاية وعضو في مجلسها وقاضي قد شغله عن الاستمرار في العمل المسرحي. ونعرف اليوم أن المسرحيين مخرجين أو مؤلفين أو ممثلين هم متفرغون لهذا العمل فيما إذا رغبوا الاجادة به لما يتطلب من اهتمام وعمل مستمر متلاحق لذلك فإن المناصب العالية صحيح أن لها ميزات وفوائد في ترقية صاحبها في الأوساط الاجتماعية لكن لها أيضاً مآخذ بإشغاله تماماً عن أمور أخرى كان يمكنه أن يبدع فيها ويقدم ما يفيد الثقافة والمجتمع أيضاً فيما إذا رغب أن يكون على مستوى المنصب والمسؤولية الملقاة على عاتقه ويعمل بكل صدق وأمانه فلكل أمر ايجابياته وسلبياته.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية