عادات حلب وتقاليدها القرن الثامن عشر والتاسع عشر
ملحق ثقافي 21/3/2006م ترجمة : رياض جرمـق ما إن يدخل أجنبي مدينة حلب حتى يفاجَأ بالجاذبية والسحر, هذا المزيج الدائم بين الحضارة القديمة والجديدة التي تدخل شيئاً فشيئاً في النفوس .
إذ أن لمدينة حلب طابعاً خاصاً يميّزها، لنعتبر أنفسنا سعداء بأنّه تبقّى لدينا بعضٌ من الآثار القديمة كتذكارات لحياة لا تموت تمرّ بشكل هادئ عبر هذه الأحجار القديمة... لنذهب يوماً نجوب سوية المدينة القديمة وأسواقها حتى نأخذ فكرة واضحة عن الحياة اليومية التي كان يعيشها أجدادنا . هنا ومن خلال الأزقة المغطّاة بقببٍ تحتوي على فتحات لتدع النور يمر عبرها, تطوف جموع الحشود مع الباعة وبعض الحيوانات التي تنقل البضائع وتخدم البشر ... فما إن نغوص في الأزقة و الممرّات الضيقة للسوق حتى تأخذنا الحياة إلى العصور الوسطى . جموع بشرية تعجّ بهدوء بين الدكاكين التي ينادي أصحابها بصوت عالٍ للمارة : «تفضلي مضام»!؟ هنا تُعلّق باقات مدلاّت من لحم الجمل وهناك تُدلّى عناقيد من الصرامي الحمر ... والتي اختلطت رائحتها بروائح اللحوم والتوابل والعطور وزحمة المارة ... ولكن لا تندهشوا وتأخذكم الأحلام كثيراً فربما يوقظكم حمار صغير أعمته عمامته! تابعوا سيركم بهدوء حتى تتأقلموا شيئاً فشيئاً مع بطء الحياة اللذيذ ... ثم لابدّ لكم أن تكتشفوا بأن كل زقاق وسوق يحمل اسماً يتعلق بالبضاعة المباعة : سوق العطارين سوق الصابون سوق الصيّاغ ... إلى أن تصلوا إلى ممرات شبه مقفرة كانت تؤدي إلى خانات وبيوت للسكن مخبأة بجدران سميكة مزيّنة من هنا وهناك بنوافذ مغطاة بحديد مشبّك وحجر مزخرف , هذه الدور تبدو جافة من الخارج لكنها تعكس بداخلها روعة جمالها ... ستسرّون على كل حال بلقاء أهل الدار وما فيها من الطيور وشجيرات الكبّاد و العرائش الموجودة لترحب بكم وتدخلكم إلى خصوصية الموقع الذي يذكّرنا باستمرار الحياة في ما مضى بعاداتها وتقاليدها وسحرها الأخّاذ، نترك الحرية لمخيلتكم لتتصوَّروا طريقة عيش أجدادنا على سجيتها ... فمن خلال هذه الأجواء كان رب العائلة يجلس في باحة الدار مُحاطاً بعائلته إذ كانت تقام كل ليلة جلسات سمر عائلية تتمتع من خلالها العائلة بساعات صفا مدخنين النرجيلة ومحتسين كأس الشراب مع أصوات شجية تردد قداً يطرب راقصي السماح... لنرى قول المركيز دو فولني في كتابهِ رحلة إلى سوريا ومصر: «عندما يصل الأوروبي إلى سوريا وإلى الشرق عموماً أكثر ما يلفت انتباهه في المظهر الخارجي للسكان هو اختلاف كلي لنمط عاداتهم عن عاداتنا وتقاليدنا: وكأن نية تعمدت أن تقيم مجموعة من المفارقات و التناقضات بين رجال آسيا وأوروبا, فمثلاً نرتدي ثياباً قصيرة ومزينة هم يرتدونها فضفاضة وطويلة. ندع الشعر طويلاً ونحلق الذقون هم يرخون اللحى ويحلقون الشعور، عندنا أن نخلع عن رأسنا علامة تحية واحترام عندهم الكشف عن الرأس دليل حماقة , ننحني للسلام هم يحيّون وقاماتهم مستقيمة، نمضي حياتنا واقفين أما هم جالسون إذ يجلسون على الأرض للأكل أما نحن نجلس للأكل على مقاعد، أخيراً حتى في الكتابة يكتبون عكس اتجاهنا وأغلب أسمائنا المذكرة عندهم مؤنثة . هذه المفارقات المتناقضة تبقى غريبة بالنسبة إلىعامة المسافرين، لكن يمكن أن تكون هامة للبحث بالنسبة إلى الفلاسفة، فمن أين أتى تفاوت العادات بالنسبة إلى الناس الذين لديهم الحاجات نفسها !؟ ومن أين أتى التفاوت بين الشعوب التي تبدو أن لديها الأصول نفسها !؟ هناك طباع شخصية ملفتة للنظر، وهي المظهر الديني الخارجي الذي يسود على الوجوه في المواضيع وفي الحركات والعادات في تركيا (الدولة العثمانية) حيث نرى في الشوارع الأيدي تضج بالسبحات ونسمع اندهاشات تفخيم مع كلمة يا الله ! الله الشافي ! الله تعالى !... وفي كل لحظة تسمع آذاننا زفيراً مع ذكر لأحد أسماء الله الحسنى : يا غني ... ياستّار ... فبائع الخبز مثلا ينادي في الشوارع : “الله كريم” وبائع الماء : “الله جواد” وهكذا بالنسبة إلى السلع الأخرى . وإذا أردتم شكر شخص ما تقولون : “الله يحميك” وبكلمة واحدة الله في كل شيء ومكان . “ وهذا يدل على تعلّق أهل الشرق عامة وأهل حلب خاصة بالله وإيمانهم واتكالهم عليه عزّ وجلّ . ما بعد الحداثة هذا الكتاب وضعته البروفيسورة المصرية الأصل شادية دروري وهي أستاذة العلوم السياسية والفلسفة في جامعة ريجينيا الكندية، تناولت فيه المنابع الأساسية لفكر ما بعد الحداثة بهدف الكشف عن الجوانب المظلمة في هذا الفكر المعادي في أساسه للإنسانية. وقد قامت بعملها بجرأة أخلاقية دون أن تساوم أو تراوغ. وقد قال المترجم د. موسى الحالول في تقديمه للكتاب: «يمكن للقارىء العربي أن يتبين من خلال هذا الكتاب الأسس الفكرية التي تقوم عليها إيديولوجية المحافظين الجدد الذين شرعوا منذ الولاية الأولى للرئيس جورج بوش الابن، في إعادة صياغة العالم على شاكلتهم والمستهدف الأؤل من هذه السياسة المشؤومة هو عالمنا العربي بطبيعة الحال». صدر الكتاب عن دار الحوار باللاذقية.
|