ويبدو أن مستقبلاً واعداً ينتظر المفهوم (العرقي) للأمة, المؤسس على فكرة الأعراق المشتركة, وذلك على نقيض (المفهوم الانتخابي) أو ( المدني) الذي يبنى على خيار سياسي.
هل القلق وارد? نعم, وهذا إذا تذكرنا أن النزعة القومية كانت أساس الحربين العالميتين الأولى والثانية, وأنها حملت على المواجهات القاتلة.
إذاً هل من الممكن استئصال هذه النزعة للدخول أخيراً إلى عصر ( مابعد الوطنية) والذي يفسح المجال للولوج إلى عالم متعدد الثقافات والمواطنية العالمية?.
( كلا) هذا مايجيب عنه المؤرخ الأميركي جيري .ز مولر في الإصدار الأخير لمجلة شؤون خارجية ( آذار - نيسان 2008) , مشيراً إلى السلطة الدائمة للنزعة القومية ( الأممية) العرقية في أوروبا وغيرها من الدول, ويؤكد بقوله: سواء كانت القومية العرقية صحيحة أم لا سياسياً, إلا أنها ستستمر في قولبة العالم في القرن ال (21) لماذا? لأنها تتوافق مع توجهات دائمة للنفس الإنسانية وإلى جانب (نتائجها المدمرة) يعرض أيضاً » محاسن مهمة) باعتبارها »مصدر التلاحم والاستقرار).
بدل أن نتفكر بالأوهام حول تلاشيها, لنتعلم كيف نجابهها, لأنها بشكل أو بآخر ستظل موجودة لأجيال عديدة, بالنسبة للمؤرخ الأميركي, سيطرت القومية العرقية على تاريخ أوروبا في القرن العشرين طويلاً, فقد شهد ذلك القرن» تطوراً طويلاً ومؤلماً لعرقية كريهة) حيث لم يشكل تفكك يوغسلافيا السابقة سوى المرحلة الأخيرة من هذه العرقية, والمفارقة أنه لم يكن من نتائج الحربين عكس هذه الحركة, فبعد الحرب الأولى, تغيرت الحدود لكي تتطابق مع الشعوب, وبعد الحرب الثانية, الشعوب هي التي انتقلت لكي تتوافق مع الحدود.
وكانت النتيجة أنه:» تحققت القومية العرقية المثالية) وهنا يمكننا أن نؤكد أنه إذا كانت أوروبا توصلت إلى انسجامها منذ الحرب العالمية الثانية, فليس بسبب إخفاق النزعة القومية العرقية لكن بسبب نجاحها), صحيح أن الهجرة أوجدت في العديد من الدول خلائط عرقية, إلا أنها استطاعت أن تؤدي إلى ظهور هويات وطنية عرقية تقليدية).
الرؤيا الأوروبية التي يشير إليها المؤرخ الأميركي تشبه تلك الرؤيا التي اقترحها الباحث السياسي الإسباني جوزيف ( م )كولومار في بحثه (امبراطوريات كبرى وأمم صغيرة), بالنسبة له, الأمم الصغيرة متجانسة عرقياً وتقدم ضماناً مضاعفاً من الفعالية والديمقراطية, لكنها مستقلة شكلياً كما هو الحال في البلقان أو مستقلة بشكل واسع كماهو الحال في اسبانيا, وهذه الأمم ليست قابلة للاستمرار, إلا ضمن إطار »امبراطورية) واسعة تحقق لها ازدهاراً اقتصادياً.
وإذا كان الاتحاد الأوروبي هو إحدى هذه الامبراطوريات, فهو يبدو كتجمعات عرقية متجاورة حيث كل تجمع يثبت قدميه على هويته رافضاً كل شكل من أشكال التمازج, فأوروبا تلك ليست في الحقيقة أوروبا المنفتحة على الآخرين وعلى التحام الشعوب الذي دل على ولادة المشروع المشترك قبل نصف قرن, إن حفظ سلام كهذا قد يكون مكلفاً, لكن هذا الحفظ لايمكن أن يكون متلائماً مع ايديولوجية- التي تحت غطاء احترام التعددية - تجدها تشجع اللا تسامح وكره الأجانب.