أو تغني بشكل جماعي, أو تردد وراء منشد فردي (ونحن في سلوكنا فرديون حتى العظم, مهما اندمجنا في نشاط الجماعة, خاصة الفني والإبداعي, والحظوا كيف تتفكك الفرق المسرحية والغنائية قبل أن تبلغ في أفضل الأحوال, نصف عقد من عمرها ومسيرتها, بل الحظوا تلك الثنائيات التي تنجز شيئاً ما, ومايلبث الواحد لايطيق سماع خطا الآخر بحواره, فيبدأ الافتراق والتنازع على المجد, والسير الفردي حتى لو تبدد المجد الثنائي أو الجماعي وأصبح في خبر كان! ).
سعدت جداً باكتشافي براءة كلمة جوقة من محمولها الإيجابي, لأستقر وأرتب أفكاري, وأنا عائدة من الساحل السوري, جنة الله على أرضه, بعد حضور مهرجان مسرح المونودراما الذي أقامه بشكل أساسي ( بيت الموسيقا ) في اللاذقية, وأنت لو كنت حجراً ستورق وتخضرّ من سلسلة الزنزلخت, المزروع على البوابات البيضاء, المنتصب, مظلاته مشعة بالأزهار البنفسجية, كأنه عاشق أنيق يختلس زيارة لمعشوقته وقت القيلولة, وسيهفو قلبك إلى التنانير التي تخبز عليها نساء فيهن من الجمال, مايجعلك تزهد بجميلات الفضائيات, مسبقات الصنع والحفر والطلاء, فتتوقف على الطريق, في الظلال وتطلب مناقيش, فتنالها مع ابتسامة وترحاب وسخاء! عادت معي ذكريات الأيام القليلة التي أمضيتها في مسرح المركز الثقافي القديم: على المقاعد, وفي الممرات وأمام الخشبة ومع النجوم, والقادمين من لبنان والعراق والمغرب والإمارات..وأعجبت بنفسي لحفظي الأسماء وتلازمها مع أصحابها, بحيث لم تختلط في ذهني كما يحصل لكل واحد منا, في الزحام, فالمناخ اكتنز بالحفاوة والود والثقافة, التي قدّرها عالياً المخرج الإماراتي سالم الجنيبي, ورأى بصدق, أن شعلة الثقافة العربية الباقية هي بلاد الشام لاسواها, حيث شعر بغبطة كبيرة, وكل من حوله يتحدث العربية دون هجنة, ودون استعانة بمفردات اللغات الاستعمارية ( السامية ), أما رئاسة دمشق للقمة العربية الأخيرة فكانت وراء قرار احتضان اللغة الأم, وإيقاظ الأمة على فجيعة التخلي الخبيث والمبرمج عن هذه اللغة, التي هي قوام وجودنا وتوحدنا وبقائنا ومستقبلنا.
حططت الرحال في ضجيج دمشق الذي أين منه ضجيج المقالات المجحفة التي دبجت على الإنترنت, بعد المهرجان, متناولة الوقائع على طريقة لاتقربوا الصلاة, مصوبة بشكل أساسي على مدير بيت الموسيقا, منزلة عليه كل موبقات الدنيا من ضمنها حكايات طلاق وزواج وغراميات إحدى شقيقاته, واستضافة راع خليجي تفوح من عقاله رائحة البترول,ما يذكرنا بفلكلورنا المحبب المتمثل بنميمة الأعراس حين تأتي جوقة متخصصة, بلباس المدعوين, لتأكل وتشرب وتغني وتصفق, وتستغل كل لحظة من لحظات العرس للغمز واللمز, وانتقاد المدعوين والطعام وقبح العروس وغلاظة العريس, وتنفّج أهل العروسين الغارقين في الديون, المتظاهرين بالثراء! يحصل هذا في مجتمعنا بكثرة مواسم البازلاء والفول والباذنجان, إلى درجة أن العقلاء باتوا يلغون العرس ويستبدلونه برحلة قصيرة, ثم بدعوة بعض المقربين ( الذين لايخلو أمرهم من الجوقة إياها ) إلى مائدة مختصرة!
الطريف أن الإنترنت بات منبراً من منابر هذه الجوقات. التي أصفها, بصفاء ضمير, بأنها جوقات حقد شخصي ليس للموضوعية فيها أثر لأنني أخفقت في دمج النيل من سمعة الأخت في مجريات المهرجان, كما حاولت استحضار رائحة البترول من ملابس مثقف عربي محب لهذا البلد, فلم تأتني إلا رائحة نبات ساحلنا الساحر وعبق أرغفة التنور, ولو أن قائد الجوقة قدم نقداً للأعمال المسرحية, وقال: إن بعض العروض كان مملاً أو مرتجلاً, أو خطابياً لقلنا إن الاختلاف بالرأي والتقييم مباح وضروري, وهو قوام النقد, أما اللعب خارج المضمار, فأمر غير مقبول خاصة من مدعي الثقافة والإبداع الفكري, وهم, كما يفترض, العارفون بقدسية الكلمة ونقائها قبل طرحها في أي تربة, وأي مكان, مع بداهة أن البذرة المسمومة تنبت أحراشاً على شاكلتها, والأكثر طرافة أنني لم أرَ أحداً من جوقة معتلي منبر الإنترنت في أي عرض, أو أي ندوة, أو أي تجمع عربي أتاحه المهرجان, وأظنهم كانوا يرصدون المنزل من خارجه ولايميزون وجوه ساكنيه, لأنهم جاؤوا لقذف الزجاج بحجارتهم وإصابة صاحب الدعوة, ولابأس من طعنه عبر الآخرين سواء أكانوا ضيوفاً, أم من أهل المنزل بحيث يجعلون من كل مهرجان, عرساً يجب أن تطنّ بين وروده وأغنياته جوقة النميمة والشتم والقذف, وظلم الآخرين الغافلين عن النيات السيئة.
أعتقد أن الكلمة تشبه الوردة..ولطالما نهض الورد الأخاذ من الطين, وعلا عليه, وناقض خصائصه وغسل أوضاره وانتصر للحق والجمال.