إنها أم حسّان. التي لو أردت أن تؤَّرخ سيرة حياتها فلن تبدأ معك, إلا من تاريخ ميلاد أولادها...
فبالأمس البعيد كانت تعيش لنفسها, واليوم هي تحيا بهم فأي سر إلهي ذلك الكامن في قلب ( الأم) التي تحيا بغيرها, وتتنفس من مولودها .. الذي ترعاه وتربيه( كل شبر بندر) وهي تعلم في نهاية المطاف أنه( ليس لها) فأبناؤكم ليسوا لكم( إنهم أبناء الحياة)
اليوم .. كما تقول لي..كبر الأولاد, وطاروا.. كل في بلاد.. أحدهم غدا-مغتربا- في استراليا, وللآخر زوجة وأولاد في هنغاريا, وللثالث زوجة وابنة في يوغوسلافيا.. والبنات تزوجت اثنتان منهما في تركيا, ونار الأم أن ترى أولادها عندما يكبرون (غرباء) متغربين كل منهم منشغل في شؤون حياته الخاصة.. فالكبير-كما حدثتني- لاهمّ له سوى العمل وجني المال يرسله لأولاده وزوجته والثاني قطعت زوجته- الرومانية- حبل الوصال بينه وبينها, فلم يعد يتذكرها برسالة أو ( تلفون) والأصغر انصرف إلى تبديد ما أغدقته عليه من حصاد عمرها الشقي, على سهراته وملذاته الخاصة.
أما آخر العنقود, فقد انشغل عنها بعروسه وأهلها الذي صار يزورهم ويراهم, أكثر مما يراها..
في حين فصلت بينها وبين البنتين المتزوجتين في الخارج مسافات من غربة وحنين, لا تبددها أسلاك الهاتف ولا بطاقات المعايدة ترسلاها لها على - الموبايل- في المناسبات وتتابع الأم حكايتها مع غربة الأولاد بالقول: قد تتساءلين عن مصير ابنتي المتزوجتين داخل البلاد, للأسف فقد انشغلت الكبرى بهموم أولادها التسعة عني بعد وفاة زوجها..
في حين فصل بيني وبين الوسطى - اقامتها في العاصمة لضرورات العمل بدا لي بيتها - وأنا أودعها, خاوياً ٍ على عروشه وفؤادها المجروح بغربة الأولاد, وتقربهم تحول إلى شريط صور نشرتها في كل ركن منه, لتجترها بالذكريات...