ومعنى هذا أن مقالنا كما هو مرسوم أعلاه لا يعني فقط (العلم النحوي العربي) وإنما يعني أيضاً (وجهة السير) في السياسة العربية الراهنة أيضاً. وليست هذه الأزدواجية الجناسية خاصة باللغة العربية فقط,إذ إن كلمة »VERS« التي تعني (نِحْو) في اللغة الفرنسية, تعني أيضاً (بيت شعر) بل إنها تعني (دودة) أيضاًً. ولقد ذكرني بهذه الازدواجية اللغوية صديق عزيز التقيته في مدينة (حماه) أخيراً بعد غياب دام حوالي أربعين عاماً, والحقيقة أن صديقي هذا لم يكن مجرد صديق عادي ,وإنما كان بمثابة »رفيق العمر« فقد كنا نجلس على مقعد واحد طيلة أيام الدراسة الإبتدائية والإعدادية والثانوية, وكنا خلال تلك الفترات الدراسية نتنافس على الدرجات وعلى الترتيب , فلا يسبق أحدنا الآخر, لأنه كان متميزاً في مادتي (اللغة العربية) و(التربية الدينية) بقدر تميزي في مادتي(اللغة الفرنسية) و(التاريخ). وكنا بالمقابل نتنافس على نيل درجة الصفر أو ما جاورها في (الرياضة) و(الرياضيات), أما خلال الدراسة الجامعية فقد افترقنا ولم نفترق, حيث دخلنا الجامعة نفسها (جامعة دمشق) والكلية ذاتها (كلية الآداب), ولكنه اختار قسم اللغة العربية واخترت أنا قسم التاريخ, وكنا أحياناً نتزاور في الأقسام. فأحضر معه بعض دروس اللغة العربية ويحضر هو معي بعض دروس التاريخ. وفي قسم اللغة العربية عرفني على أستاذه المرحوم أحمد راتب النفاخ, الذي كان يحب اللغة العربية إلى درجة العشق, ولهذا كان يصر على التحدث بها مع طلابه! وقد ورث صديقي عنه هذه المزية فأصبح لا يتحدث مع زملائه وأطفاله وزوجته إلا باللغة العربية الفصحى, ويستخدم في حديثه كلمات لا تسمعها إلا من جهابذة اللغة العربية, وبخاصة بعد أن أصبح يدرس هذه المادة في جامعاتنا وبعض الجامعات العربية الأخرى . وأصل هنا إلى بيت القصيد, وهو الطريقة التي يتكلم بها صاحبي في السياسة وعن السياسة ,حيث إنه كان يستخدم كثيراً من تعابير (النحو) العربية في هذا المجال, وذلك ببراعة تصل أحياناً إلى حد الابداع! فلقد سألته في آخر لقاءاتنا مثلاً عن رأيه في القضايا العربية عموماً والقضية الفلسطينية خصوصاً, فأجاب بطريقة تدل على تمكنه التام من اللغة العربية واستخدام الكلمة الواحدة في أكثر من معنى حيث قال: يؤسفني أن أقول لك يا صاحبي إن القضية الفلسطينية قد انتقلت من مرحلة( الحركة) إلى مرحلة (السكون), وهذا الأمر لم يحدث إلا بعد أن قامت اسرائيل بعملية (نصب) كبرى أدت إلى (جر) رجل الولايات المتحدة الأميركية إلى المنطقة. وعندما سألته عما إذا كان يعتقد بوجود أمل باسترجاع المناطق العربية التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967 أجابني قائلاً: بالرغم من إعلان اسرائيل (ضم) بعض هذه المناطق ومنها الجولان إلى أراضيها, فإن الأمل لا يزال كبيراً باستعادتها ولكن يجب أولاً (خفض) حدة الخلافات العربية, و(كسر) شوكة العدوان الإسرائيلي لمنعه من تحقيق أهدافه, و إذا تم هذان الأمران يصبح بوسعي (الجزم) بأن الكفة ستميل إلى جانب العرب.
وبعد صمت قصير استأنف صاحبي كلامه قائلاً: »إن هذا الهدف يستلزم بالطبع (ضم) الجهود العربية( كافة) و(رفع) درجة الاستعداد والجاهزية القتالية في الجيوش العربية إلى أقصى حد.وإن التضامن العربي في هذه المرحلة أمر( لازم) وذلك لإيقاف (المتعدي) الصهيوني ومنعه من تحقيق أهدافه. وعندما سألته عما إذا كان من الممكن تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي في مرحلة قريبة أجابني: »إن (شدة) الخلافات العربية- العربية, والخلاف بين (حركة فتح) و(حركة حماس) يمنعان تحقيق هذا الهدف في أمد قريب, وأخاف أن تتفاقم (العلة) وتصبح القضية كلها في (خبر كان) إذا بقيت الأمور على ماهي عليه, وأما إذا أمسكنا بداية الطريق الصحيحة فلا شيء مستحيل في هذا الكون, وخاصة إذا أعطينا (الحرف) و(الكلمة) دورهما في المعركة. وهنا أيقنت أنه كان بوسع صديقي (المدّ) معي في الكلام على هذا (النحو) حتى الصباح, لذا آثرت التوقف عن الحديث في السياسة و(قصر) بقية الحديث على (جملة) الشؤون الأخرى. وصدقوني أنني نقلت لكم حديث صديقي هذا بدون (حذف) ولا (إضافة) والسلام.
< يرجى من القارىء الكريم التمعن في الكلمات الموضوعة ضمن قوسين وعددها خمس وعشرون كلمة, وكلها من المفردات المستخدمة في دروس النحو العربي!