تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«نصــــوص في الحـــــــب»

ثقافة
الجمعة 28-6-2019
ليندا إبراهيم

إنني أنتظر الحبَّ فحسب..لأهبَ نفسي بين يديه، ولهذا فقد فات الوقتُ، ولهذا فقد أضحيتُ مسؤولة عن مثل هذا التَّخلِّي, إنهم يأتون بقوانينهم ونُظُمهم ليقيِّدونني، ولكنَّني أنجو منهم دوماً، إذ أنني أنتظرُ الحبَّ فحسب فقط، لأهب نفسي بين يديه..

يلومني النَّاس ويرمونني بالإهمال، وإنني لا أشكُّ في أنهم محقُّون في اللوم، لقد مضى زمن البيع والشِّراء، وتمت صفقة الأعمال، إن الذين يطالبونني،عبثاً، قد انكفؤوا غاضبين، إنني أنتظرُ الحبَّ وحدهُ لأهب نفسي أخيراً بين يديه..‏

«لا بد للوجدان من أن يغلف البرهان..»، وقيمة الإنسان تكمن في إمكانية إحداث الفرق، فكن ذلك الحبَّ، يكن ذلك الفرق.‏

في ذلكَ المكانِ العتيق، أخذتْ قهوةُ وجهِه تصطَبِغُ بنكهةِ روحِي، على مَهَلِ الشَّوقِ، وغامضِ اللذَّة، كانَ متيَّماً بالشام، وكنتُ مُتيَّمَةً بهِمَا حَدَّ الوَلَهِ، كانَ على منتصفِ جسرِ الحَيَاةِ، عندمَا رحتُ أعدُو وَرَاءَ ظِلِّه الأقصَى, ورُوحِي تَهْذي إثرَ روحِه.‏

أخذَ يتبيَّنُ خطوطَ روحِهِ في عينيَّ، بينما رحتُ أجُدُّ البحثَ عن «صاحب الظِّلِّ الطَّويل..» عناقيدُ الشَّهوة أنا في كرومك القصيَّة، سلافُكَ في حوانيت المحبين وخوابي أرواحهم، أيُّها الحُبُّ أيُّها الحُب.. أيُّها الحُبُّ.. أنا الآنَ روحٌ تَطَّوَّفُ، سأزورُ روحكَ الليلةَ، وكلَّ ليلة، أُشَاغِلُهَا عن أحلامِها، أسهرُ قربَ عينيكَ حتَّى يأخذَهُمَا الوسَن، أمسحُ على روحِكَ، أدثِّرُهَا بغلالةٍ من شوقٍ وحرقةٍ ولهفة، وأوصي ملاكي الحبيبَ ليحرسَ نومَكَ، ثمَّ أعودُ أدراجي إلى قَفَصِي الآدَمِيِّ، كلَّ يوم.. كلَّ يومٍ..‏

سَأُخْلِصُ جَسَدِي لِرُوحِي، وأجْعَلُهُ لهَا كَالخَادِمِ الأَمِينْ، وسَأجْعَلُ رُوحِي طَوعَ جَسَدِي: تَوَاثُقاً، وثقةً، ووِثَاقاً، هَكَذا أَصِلُ لِمُطلَقِ الحُرِّيَّةِ: لأُحِبَّكَ.. أنشودةُ الحُبِّ مِلءَ روحي، والحَادي «قلبي» يرتِّلُها عن ظَهْرِ غَيْب، لقد قطَّعتُ إسارَ الشَّوقِ، وكسَّرتُ قيود المحبَّة، وها هي ذي روحي تحلِّق إليك، يا مولايَ الذي بروحي.. اَلدَّربُ إليكَ أقصرُ ممَّا توقَّعتُ!.. بلْ كيفَ يكونُ ثمَّة دربٌ وأنتَ بي، يا مولايَ الذي برُوحي؟‏

تغلغلْ عميقاً عميقاً، تَقَصَّ مكامنَ الشَّهوة في عسجَدِها، واسجُدْ في مَلَكُوتِ رغبَتِها، أيُّها العابِد.. غُلَّ قصِيّاً قَصِيّاً، وعُبَّ من مظانِّ الفتنةِ البتول، تَرَشَّفِ الشَّهَقاتِ القَصِيَّاتِ، أيَّهَا الظامئ.. اعتمر أحلامك، وغُذَّ الخطى في مسالكها الوَعْرَةِ النَّدِيَّة، أيُّهَا العَاشقُ.. أيُّهَا العَاشق..‏

هاأنا ذي أدخُلُ روحَ الوردة.. أضيعُ في عطرها.. أهيمُ في سرِّها حدَّ الحنين, أقطفُ لونها، وأصوغُ منه كفني لموتٍ قادم، أما عبيرها فسيكون شاهدتي مشغولةً بخيط الدَّمع: «هنا يرقدُ الشِّعرُ، موجوعاً، مطمئناً إلى وجعهِ، راضياً مرضياً، هنا تطَّوَّفُ ملائكُ الرُّوح متتبعةً أثرَ فراشةٍ مَرَّت من هنا، لم تلوِ على شيءٍ سوى حنين..»..‏

أربكتُني عيناه، إذ رأيتُهُما أوَّلَ فتنة، كانتا كوُعُولٍ بريَّةٍ جائعة. أربكني ارتباكُ صوتِه،وهو يطابقُ بين ذاكرَة عينيه، وروحي، كم أطبقتُ روحي على ذكرى ذلك الصَّوت، ذاك المرتعش، المبحوح، بغيمة من حنين، كم احتفظتُ بصرخته المكتومة في رُوحِه وهو يهتفُ بي، ولي: «هاقد وجَدْتُك»، وفي ليلِ دمشقَ العاشق، أدركتُ أحلامَه الموغلةَ في البَدءِ، حيثُ الشُّرُوقُ المُتكرِّرُ للقلب، حيثُ سرُرُ البهجة، وبساتينُ النَّوم، هناك، حيثُ نجمَتُنا البعيدةُ..البعيدة..‏

أتأمَّلُ وجهَكَ، وكأنَّني أنظُرُ إلى حَيَاتِي القَادِمَة. أتأمَّلُ وجهَكَ بكلِّ مافيهِ من حزن ولهفة وتوقٍ ورغبة ووحشة. وجهُكَ ديرُ العصافيرِ الشَّجيَّة رسُولةِ الحُبِّ إلى بلادٍ لا شيءَ فيها إلا وجهُكَ الشَّذِيُّ الشَّهيُّ الحزين, وأسألُ في سرِّي: كيفَ يختزنُ هذا الوجهُ كلَّ هذا النُّبلِ؟ ومِنْ أيِّ نبعٍ تمتَحُ عيناكَ كلَّ هذا الحُزنِ البادي؟ تُرى، هل أطلقُ فراشاتِي في حدائق عينيك علَّها تؤنسُ عصافيرَ روحك؟ وتخففَ من أوزارها فتَهبَها فرحاً أنت مَنَحْتَنِيهِ ؟ تُرى أيُّ ناسكٍ في إهابِكَ..وأيُّ زاهِدٍ في روحكَ.. وأيُّ صبرِ نَبِيٍّ تختزنُ لتواجهَ هذا الحُزنَ..؟ ترى كم «يوسُفَ» اكتنفتَ، و«يعقوبَ» ضيَّعتَ، وجُبٍّ حللتَ..؟ و«قافلة» ركبتَ، و«زليخا» أغويتَ، و«عزيزٍ» بزغ من بين يديكَ..فكنتَ «أجملَ العاشقين»..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية