تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في تسوق الصباح والمساء..سيدات يكسرن طقوس الغلاء بحسن التدبير

مجتمع
الجمعة 28-6-2019
غصون سليمان

في الوقت الذي تسارع فيه العديد من ربات المنازل لجلب حاجاتهن من سوق الخضراوات أو الدكاكين المنتشرة في كل الأحياء السكنية في الفترة الصباحية..

هناك من ينتظر للمساء لشراء ما يحتاجه من مستلزمات يومية فالطبخ حالة متجددة على مدار اليوم ..والتفكير بهندسة الطبخة حالة مرهقة للذهن حين يخضع مزاج الذوق ورغبة العائلة لرحمة فراغ الجيبة أو ملئها..إذ تحتار الكثير من السيدات بكيفية الاحتيال وحسن التدبير على مضض الوجع المعيشي.‏

ولطالما السيدات بشكل عام والأمهات بشكل خاص هنّ أكثر التصاقا بحرفية ترقيع القدرة الشرائية نجد لديهن منافذ ادراك ميسرة بعد رحلة استقصاء طويلة ويومية لربوع أسواقنا الممتلئة بكل شيء..البعض منهن أو منهم لا يتحسر على «شروة» الصباح ولا حتى الظهيرة.. وإنما ينتظر إلى المساء ، فالكثير من أصحاب الكار وأرباب السوق الشعبي وبعض الدكاكين لديهم فن وبراعة في تسويق منتجاتهم من الخضراوات تحديدا بحيث لا يبقى إلاّ الشيء الزهيد إن لم يبق شيء..فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان سعر كيلو البندورة في الصباح طازج ب٢٠٠ ل.س في ساحات الخضرة وأسواقها فإنها تصل ظهرا إلى ١٥٠ليرة وفي المساء تصل ما بين ٥٠ و٧٥ ليرة..‏

كشف خبرة‏

احدى الجارات كشفت لجاراتها في جلسة تحضير لطبخة محاشي بحجم عائلي ..انها اعتادت ولضيق الحال أن تخصص كل يوم للتسوق بما يحتاجه المطبخ من قيمة مادية محددة و لتكن ألف ليرة أو ألف وخمسمائة ليرة أقل أو أكثر حسب التوفير..وهي حريصة ألاّ تزيد أي قرش على هذا المبلغ في يومه..وبدلا من ان تذهب الى سوق الخضرة صباحا تنتظر الى الظهيرة لتشتري الحاجات المطلوبة بنصف القيمة من بندورة ، كوسا، باذنجان،بقدونس ،خيار وغيره.‏

وما إن أنهت هذه السيدة بعضاً من خطة حسن تدبيرها في ظل موجة غلاء الأسعار حتى باغتتها جارة أخرى بأن زوجها ومنذ سنوات لديه خبرة طويلة في شراء الخضراوات بتوقيت بيعة المساء فأبو محمود صاحب العائلة الكبيرة استطاع أن يكثر جبروت بعض الأسعار بما يلائم دخله المحدود ،وبدل أصابع «البيبو» خيار لابأس بأصابع «الشاب» أو حتى «الختيار» المهم أن يكون طريا وناضجا وسعره مناسبا وقس على ذلك بقية الخضراوات.‏

عن قرب‏

وفي جولة فضول مع احداهن للتسوق مساء في إحدى أسواق مدن ريف دمشق الغربي أذهلني منظر الناس من كل الاعمار وإن كانت الغالبية من الجيل المتوسط ،فالمحلات والسوق يعج بقاصديه من أهله وناسه ..فلا يكاد يخلو شخص من حمل أكثر من كيسين أو ثلاثة ..سألت ام حسين التي تربي ثلاثة أطفال أيتام بعد وفاة ابنتها وزوجها في حادث سير من أن زحمة السوق لافتة ، فقالت مع تنهيدة تختصر عشرات الكلمات .. «يا بنتي والله في عالم أوادم كتير من أصحاب المحلات في السوق»..وهؤلاء يعرفون العديد من العائلات الفقيرة او كما يقال المستورة ،وهؤلاء لهم حصتهم دون مقابل من خيرات كل يوم «فواكه خضراوات،سمانة وغيرها،وأنا واحدة من هؤلاء الناس.‏

أولاد الحلال‏

أحد أصحاب المحال رفض ذكر اسمه أو لقبه باعتباره معروفا في السوق الشعبي وينافس العديد من تجار السوق لكسر حركة الأسعار يوميا أفصح في دردشة معه حول سوق العرض والطلب وزحمة الناس في هذه الفترة من النهار،فكان صريحا بقوله حين قال عبارته الأولى..الله يعين العباد..أصبحت الحياة قاسية حتى على الميسور فما بالك بالفقير ومتوسطي الحال بعد أن غدرت بنا الظروف كسوريين جراء حرب جائرة ظالمة..‏

يذكر هذا الشخص أنه أخ لخمسة شباب وثلاث بنات وأن والده الموظف كان يؤمن لهم بالكاد حياة مستورة تغنيهم ذل السؤال..وكيف أن والدته التي اتبعت مهنة الخياطة كانت من رواد من يشتري الخضرة بعد أن تكسر أسعارها صباحا..بعض الأحيان كنا نتأفف من شكل وحجم الخيار الكبير أو الفاصولياء الذابلة بعض الشيء والكوسا التي لا تصلح للمحاشي وغيرها حسب قوله.‏

إلاّ أن الأم كانت بارعة في التفنن بالطبخ ما يغري العين ويثير الشهية قبل طهيها..فمازلت أتذكر عباراتها التي كانت تنهال علينا كل يوم انا وإخوتي ردّا على انتقادنا المتكرر لبعض مظاهر الشراء واللباس..»والله ياابني اذا ماحسبتها بشكل صحيح ما بتسلم..والإدارة بدها فن وقناعة بأن تمد بساطك بما يناسب طولك وعرضك..بعدين يا ابني جود من الموجود.»‏

وأضاف في حديثه أنه تخرج من كلية الاقتصاد منذ ١٥عاما وقد اغرته إلى جانب وظيفته أن يفتح دكانا صغيرا يساعده وأولاده على تحمل ضغوطات الحياة مستفيدا من تجربة والديه في اجتياز صعوبات الأيام الخالية بحسن التدبير..وخطوة خطوة يقول هذا الشخص استطاع أن يطور دكانه المتواضع بالحجم والسلع إلى متجر متوسط يضم سلعا ومواد مختلفة إلى أن أصبح شخصا معروفا ، له وزنه في حركة تجارة السوق..وفي سؤاله عما إذا كانت الأسعار تلائم الأذواق والجيوب كان جوابه بأن البعض مازال يخاف الله وضميره حي..ويرأف بحال الناس..لدرجة ان هناك قائمة بأسماء ما يقارب مائة عائلة وأسرة لا تجد ما يسترها من العوز حيث في كل مجتمع محلي هناك فئة أشد فقرا وحاجة بعد أن فقدت سندا ومعيلا.. أبا كان ام اما أو اخا في هذه الظروف القاسية التي خلفتها الحرب الظالمة على بلدنا.‏

ولأن التجارة هي جردة حساب تتجنب الخسارة نجد نشرة الأسعار تخضع لبورصة ساعات اليوم ، اذ يختلف السعر صباحا عن الظهر بعد أن تكون واجهة السلع قد تم شراؤها ولأن الخضراوات والفاكهة والحشائش سريعة التأثر بحرارة الجو يلجأ أصحاب المحال إلى تخفيض الأسعار ظهرا ما يناسب بعض الشرائح الاجتماعية ..وفي المساء تصل الى أدنى سعر بالجملة..ما يجعل الغالبية من الأسر الكبيرة الفقيرة ومحدودة الدخل تهتم بالتسوق والشراء فترة المساء ضمانا لستر الحال.‏

ما تقدم هو مجرد إضاءة بسيطة على واقع مر وقاس لكن في المقابل هناك من يحسن التدبير والإدارة والتأقلم والعيش بكرامة بما يناسب الجيوب ..وهناك نفوس مازالت تكسب من تجارتها ما يرضي الأخلاق والإنسانية والشعور بالآخر .. فيما البعض من أصحاب الشهية النهمة والجشعة في جمع المال لا تشبع وإن كادت التخمة الاستغلالية تقتلها ..لكن يبقى القول الذي نتغنى به بين الحين والآخر لاسيما في لحظات الحزن والأسى وضيق الحال «ما بعد الضيق إلا الفرج» ..اللهم فرج عن بلدنا كل هم وغم ..وما الفرج والنصر إلا حليف الشرفاء الأقوياء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية