تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حروب العصر.. مبارزات إلكترونية.. هجوم فيروسي ودفاع سيبرانـي

دراسات
الجمعة 28-6-2019
إعداد: عبد الحليم سعود

شهد عصرنا الحالي تطوراً سريعاً في الفضاء الإلكتروني وفي تنوع وسائل استخدامه، ما بين الأنماط المدنية والعسكرية،

وهو ما فرض تفاعلات دولية في ساحات حديثة ومتطورة من العلوم والتكنولوجيا، إلى جانب ذلك كان ميدانا للصراعات المختلفة، بين الكيانات والأفراد وحتى الدول، بغية استحواذ كل طرف على القدر الأكبر والنصيب الأوفى من النفوذ في هذا المجال أو ذاك.‏

وبالتزامن مع هذا التطور المتسارع، برز على الساحة الإعلامية ما يعرف بظاهرة «الحروب السيبرانية»، أو «Cyber wars»، التي اكتسبت بدورها خصائص مميزة عن نظيراتها من الحروب التقليدية، سواء على مستوى الأنشطة العدائية، أم القائمين عليها، وحتى على حجم التأثير على الأمن العالمي.‏

ومن خلال استقراء الوقائع والأحداث التي حدثت في العقدين الماضيين، نجد أن «الحروب السيبرانية»، تنوعت بين نمطين من القوة «الناعمة والصلبة»، الأمر الذي جعل منها تهديدا صريحا ومباشرا لأمن البنية التحتية الكونية للمعلومات.‏

ماهي الحروب السيبرانية؟‏

يقول الدكتور «عادل عبد الصادق» في كتابه «حروب المستقبل.. الهجوم الإلكتروني على برنامج إيران النووي»، إن الحرب الإلكترونية، ترتبط بالأساس بالتطبيقات العسكرية للفضاء السيبراني، وهي تعني - في أحد تعريفاتها- أن تقوم دولة أو كيان ما بشن هجوم إلكتروني، وذلك في إطار متبادل، أو حتى من طرف واحد.‏

وعلى الرغم من انتشار مصطلح «الحرب الإلكترونية»، على نطاقٍ واسعٍ على المستوى الإعلامي، فإن المصطلح ذاته يعد قديما، خصوصا مع اقترانه برصد حالات التشويش على أنظمة الاتصال، والرادار، وأجهزة الإنذار المعروف إبان حروب القرن العشرين، أما في الوقت الراهن، فإنه يرتكز على تفاعلات الفضاء الإلكتروني، مع دخول شبكات الاتصال والمعلومات الرقمية إلى المجال العسكري.‏

وبناءً على ما سبق، فمع تمدد الأعمال العدائية في الفضاء الإلكتروني، ووصولها إلى البنية التحتية المعلوماتية للدول، لتحقيق العديد من الأغراض «سياسية، إجرامية، اقتصادية....»، فقد تجاوز الأمر مفهوم الحروب الإلكترونية، ليحلو للبعض تسميته «الحرب السيبرانية»، تعبيرا عن الشكل الجديد للحروب الإلكترونية، وخصوصا مع كون لفظة «حرب» جدلية، فالأنشطة العدائية الإلكترونية المعروفة لها مصطلحات أخرى، مثل: «الإرهاب الإلكتروني»، أو «الهجمات الإلكترونية»، وما شابه.‏

فالحروب بشكلها التقليدي، تقوم على المواجهات العسكرية المباشرة بين الجيوش النظامية، ويسبقها في الأغلب إعلان صريح لحالة الحرب من دولة إلى أخرى، ويكون لها ميدان محدد للقتال، أما على الجانب الآخر، فإن هجمات الفضاء الإلكتروني، تكون غير محددة المجال، ولا التوقيت، ولا حتى بدايتها أو نهايتها، وتكون أهدافها غامضة، علاوة على اعتمادها على أسلحة إلكترونية تناسب طبيعة المهام التي تقوم لأجلها.‏

تهديدات دولية‏

مع ربط العديد من الدول، في السنوات الأخيرة، مصالحها القومية بالفضاء الإلكتروني، وتزايد الاعتماد على ربط بنيتها التحتية ببيئة الفضاء الإلكتروني، في إطار متشابك، وهو ما يطلق عليه «البنية التحتية القومية للمعلومات»، كقطاعات «الطاقة والاتصالات والتجارة الإلكترونية والنقل، ومختلف الخدمات الحكومية والمالية»، وعليه، فإن أي هجوم أو حتى مجرد تهديد محتمل، باستهداف أي من تلك القطاعات، يشكل خطرا على التوازن الاستراتيجي، ومن ثم يمثل عبئا جديدا في إطار «تهديد الأمن القومي للدول».‏

ومن أهم الأسباب التي ساعدت على تنامي التهديدات الإلكترونية للمصالح المباشرة للدول، وبالتالي إيجاد المناخ الخصب لظهور «الحروب السيبرانية»، وجود مجموعة من «المحفزات» أو الدوافع، منها على سبيل المثال:‏

ــ ارتباط العالم المتزايد بالفضاء الإلكتروني، ما جعل المجال واسعا أمام تأثر البنية التحتية المعلوماتية للدول، ومن مخاطر ذلك دخول بعض الجماعات الإرهابية هذا الشكل من الحروب لتحقيق مآرب وأهداف، تنال من الأمن القومي للدول والأنظمة السياسية التي تعاديها.‏

ــ التراجع الملحوظ للدولة بشكلها التقليدي وعدم قدرتها على ضبط انسياب المعلومات وتفاعلاتها، وسهولة اختراق منظوماتها الأمنية، في ظل مستجدات «العولمة»، وانسحابها من عدد من القطاعات الاستراتيجية والحيوية لصالح القطاع الخاص، إلى جانب تعاظم أدوار الشركات الأجنبية وتلك المتعددة الجنسيات، خصوصا في مجال التكنولوجيا، لتصبح معه أحد اللاعبين المؤثرين في الفضاء الإلكتروني، ولاسيما مع تفوقها في القدرات التقنية بالقياس مع الحكومات.‏

ــ من بين المحفزات أيضا لحروب الفضاء الإلكتروني، هو سهولة استخدامها من قبل بعض الكيانات أو حتى الدول ضد الدول المعادية لها، دون الحاجة إلى الدخول إلى أراضيها بالشكل المتعارف عليه، خصوصا - وكما ذكرنا سلفا- مع اعتماد الدول على الأنظمة الإلكترونية في أغلبية منشآتها ا لحيوية، ما يجعلها عرضة لهجوم مزدوج.‏

ــ التكلفة الإجمالية لـ «الحروب السيبرانية في حالة الهجوم» تعد أقل بكثير، من نظيراتها التقليدية، فالهجوم الإلكتروني، قد لا يتكلف قيمة «دبابة»، حيث يحتاج إلى بعض الأسلحة الإلكترونية الحديثة والمتطورة، ومهارات وإبداعات بشرية، فضلا عن عدم التزامه بقيود الوقت، أو الظروف السياسية، سواء وقت السلم أم الحرب أم الأزمات، كما لا يتطلب تنفيذه سوى وقت محدد.‏

ــ أصبحت «الحروب السيبرانية»، مؤخرا مجالا لإظهار قوة الدول، ووسيلة لاستعراض مزايا تفوقها وتأثيرها على الدول المعادية، بغض النظر عن القوة الاقتصادية أو العسكرية للدول المتفوقة في ذلك، وعليه ظهر ما يسمى «الاستراتيجية السيبرانية»، حيث تبنتها الدول كمجال للتوظيف والتشغيل في ساحات الفضاء الإلكتروني، وأضحت دلالة على حجم التنمية في هذا البلد، وبالتالي صارت عنصرا من عناصر القوة القومية للدول.‏

ــ تحولت المخاطر والتهديدات في مجال الفضاء الإلكتروني، إلى ميدان للتنافس بين الشركات العاملة في «الأمن الإلكتروني»، حيث تلجأ لها الدول لحماية بنيتها التحتية المعلوماتية، وخُصصت لها بنود في ميزانيات الإنفاق العالمي، لمجابهة الفاعلين الآخرين من أفراد وكيانات الجريمة المنظمة والقراصنة، وغير ذلك.‏

أشكال الحروب السيبرانية.. ووقائع دولية‏

1- الحرب السيبرانية الباردة:‏

الحرب السيبرانية الباردة أو منخفضة الشدة، تستخدم في حالة الصراعات ذات الطبيعة الممتدة وطويلة الأجل وعميق الجذور بين الدول، ولها جوانب مختلفة ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية، وفي العادة، يتم اللجوء إلى نوع من «القوة الناعمة» في هذا النمط من الحروب، ولا تتطور على الأرجح إلى استخدام القوة المسلحة بالشكل المعروف، أو حتى بشن حروب إلكترونية على نطاقٍ واسع.‏

وكمثال على هذا النمط، هناك «الصراع العربي - الإسرائيلي»، و»الصراع الهندي - الباكستاني»، وكذلك «الصراع بين الكوريتين».‏

وتنشط في هذا النمط أيضا، جماعات دولية للقرصنة للتعبير عن مواقف سياسية، أو حقوقية، مثل «ويكيليكس»، و»أنونيموس»، كما يُستخدم في حالات الأزمات الدولية، كالتوتر الذي وقع بين إستونيا وروسيا في عام 2007، إلى جانب الاختراقات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، وكذا ما بين الولايات المتحدة وإيران.‏

وتعتبر الاتهامات الموجهة لروسيا بالقرصنة الإلكترونية في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، لدعم المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» على حساب منافسته الديمقراطية «هيلاري كلينتون»، من أحدث الأمثلة على هذا النمط.‏

2- الحرب السيبرانية متوسطة الشدة:‏

وهو يعبر عن تحول الصراع في الفضاء الإلكتروني، إلى ساحة مشابهة للحروب التقليدية على الأرض، وقد يمهد لعمل عسكري حقيقي، ويتم فيه اختراق المواقع الإلكترونية، وتخريبها، وشن حرب نفسية ضد الخصوم، وغيره.‏

ويستمد ذلك النوع من الحروب السيبرانية شدته من قوة أطرافه، وارتباطها بعمل عسكري تقليدي، وهي مرتفعة التكاليف قياساً بالنمط الأول، حيث يمكن تمويل حملة حربية كاملة عبر الإنترنت بتكلفة لا تتجاوز قيمة دبابة.‏

وقد تم اللجوء إلى هذا النمط من «الحروب السيبرانية»، في هجمات حلف الناتو في عام 1999 على يوغوسلافيا، حيث استهدفت الهجمات الإلكترونية تعطيل شبكات الاتصالات للخصوم، كما برزت أيضا خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006، وبين روسيا وجورجيا في 2008، وفي المواجهات بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي في عامي 2008 و2012.‏

3- الحروب السيبرانية «الساخنة» أو مرتفعة الشدة:‏

يعبر هذا النمط تحديدا عن الحروب في الفضاء الإلكتروني بشكل منفرد، ولا يرتبط بالجوانب أو العمليات العسكرية التقليدية، وهو نوع متقدم من الحروب، لم يسبق أن شهدها العالم، رغم بقاء احتمالية حدوثها قائمة في المستقبل، خصوصا مع تطور القدرات التكنولوجيا، واتساع الاعتماد بين الدول والكيانات والأفراد على الفضاء الإلكتروني.‏

وينطوي هذا النمط من الحروب على سيطرة البعد التكنولوجي على إدارة العمليات الحربية، حيث يتم استخدام الأسلحة الإلكترونية فقط ضد منشآت العدو، وكذا اللجوء إلى الروبوتات الآلية في الحروب والطائرات دون طيار، وإدارتها عن بعد، بخلاف تطوير القدرات في مجال الدفاع والهجوم الإلكتروني، والاستحواذ على القوة الإلكترونية.‏

وقد شهدت الأسلحة الإلكترونية تطورا أكبر في قدرتها على التأثير في الخصوم، مثل أسلحة الميكروويف عالية القدرة، والهجمات الإلكترونية عبر الفيروسات، مثل شن إسرائيل هجمات فيروس ستاكسنت ضد المنشآت النووية الإيرانية بالتعاون مع الولايات المتحدة في عام 2010، وكان قد تم تطوير هذا الفيروس وتجربته في إسرائيل خلال عام 2007.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية