فيما بعد، بدأ الاشتراكيون والشيوعيون بمعارضة النظام البورجوازي الاوليغارشي والإمبريالية.
بالمقابل النخبة «بغض النظر عمن تكون» سعت للدفاع عن الحكم القائم لأنها كانت مستفيدة منه.
واليوم عصرنا الحالي هو عصر فوضى النظام العالمي بدءاً من القمة.
في حين كانت الأممية حكراً على اليسار، كانت النخبة تدعم الدول التي حكمتها من أجل الحفاظ على مصالحها.
اليوم، تحولت الطبقات العليا إلى مادحة لمن يحرك السوق ما أدى إلى تدهور الدول والأمم التي تخلت عن الطبقات الاجتماعية الذابلة.
ما هو أول عائق للاستقرار الدولي؟ دون تناقض أو رياء: إنها الولايات المتحدة، التي يفترض أن تكون الضامن والداعم للنظام الدولي، إنها الدولة العظمى الأولى التي تثير الاشتباكات والحروب كما هو الحال في: أفغانستان، العراق، سورية، اليمن، إيران، أوكرانيا، الحدود الغربية لروسيا، فنزويلا، كوبا، شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين، الإخلال بالمعاهدات النووية، اتفاقيات اقتصادية، «عقوبات « والحصار في كل اتجاه.
ونزوعها إلى وقد الأتون يدفعها اليوم إلى إعادة إشعال فتيل النار في لبنان.
أما في فلسطين فأميركا تصب الزيت فوق النار التي أشعلتها مدللتها إسرائيل التي تحتل أراضِ ليست لها.
تراها لا تهتم للقانون الدولي، فهي كل همها حل مشكلات إسرائيل التي تتجاوز كل القوانين وبطلة في احتقار الشرعية، وفوق كل ذلك تجدها تطالب بالإفلات من معاقبة اسرائيل في محكمة الجزاء الدولية.
مقابل الولايات المتحدة هناك دول مهتمة وملتزمة بجهد لإنقاذ النظام المعمول به وكذلك القوانين الخاصة بالأنظمة العالمية.
لماذا تسعى الولايات المتحدة إلى إزعاج غيرها وتدعوهم لزيارتها؟ كيف يمكننا تفسير ما تقوم به من أعمال تخريب للوضع القائم حيث أنها تشكل جزءاً منه.
يكمن السبب في تطور مجرى أحداث التاريخ الحديث، فمنذ نهاية الحرب العالمية الأولى والولايات المتحدة تنادي بقيام نظام ليبرالي ملائم للرأسمالية وبطبيعة تضمن لها الأولوية.
وبهذا طوال فترة الحرب العالمية الثانية كانت تسيطر على الإمبرياليات الأوروبية فكرة محببة وهي تسهيل مهمة الولايات المتحدة من خلال القضاء على بعضهم البعض، لكن بدا الاتحاد السوفيتي عائقاً كبيراً أمام الأهداف الأميركية.
عام ١٩٩١، مع انهيار الاتحاد السوفيتي واسئثار أميركا بأحادية القطب جعلها تظن أن العالم بأسره أمسى تحت تصرفها، وهكذا تم الإعلان عن الوصول إلى «نهاية القصة» و الاحتفال ببدء «القرن الأميركي».
كَفَلَت الولايات المتحدة العولمة ووجدت أن تعدد المركزية تجعل منها سيدة العالم.
وأبلغ دليل على أن أميركا وصلت قمة التمرد هو استعراض العنف ضد الدول التي اتهمتها بالشيطنة وأطلقت عليها تسمية «محور الشر».
لكن كل شيء انهار خلال أقل من ربع قرن، أولاً، عدم جدوى القوة العسكرية الأميركية وعجزها عن فرض نفسها بالقوة علناً. فرغم كل الأساطير والوسائل التي نشرتها لم تحقق أياً من الحروب الأميركية الهدف الذي سعت إليه.
الأجهزة الحديثة والموازنات الضخمة التي رصدها جميعها لم تقد إلى نتائج ملموسة. في هذه الأثناء، ومثل طائر الفينيق انبعثت روسيا من الرماد، واستعادت حالتها الجيدة لتستأنف دورها على الصعيد الدولي. مفاجأة مُرة لهؤلاء الذين صنفوها في مجموعة المستعمرات الجديدة.
أما الصين من جهتها فانسحبت من لعبة العولمة التي تفيد بالدرجة الأولى الولايات المتحدة، والصين تعرف نفسها أنها ناجحة جداً وليست مضطرة أن تكون مرؤوسة.
أخيراً، انطلقت فقاعة العولمة الليبرالية الجديدة عام ٢٠٠٨ ، تاركة الولايات المتحدة دون مشروع مفيد أنها «الزعيم».
لم تُفِد العولمة النيوليبرالية الولايات المتحدة بشكل جيد، فالعالم توجه إلى الاتجاه المعاكس لهيمنتها وأبدت الأممية مقاومة كبيرة. وبهذا تتلخص الاستراتيجية الأميركية بالأذى والتهديد لتأكيد هيمنتها على غيرها.
وهي لا تكلف نفسها عناء الثناء بفوائد العالم المتمركز حولها.
هذه السياسة التي تفتقر إلى الشفافية إنما هي سياسة سلبية: تثير المشاكل، وتلقي الفوضى في نظام دولي يجري مبتعداً عنها لأنها تضعضع منافسيها وحلفاءها على حد سواء لمنعهم من النمو والتطور.
إنها قوة أقل ثقة وأقل هيمنة، سلوكها يلفه العجيج وغير متوقع، في بساطة شخصياته الكرتونية المتحركة ومواقفه المتبجحة يُعدّ ترامب الممثل المثالي لذلك.