ومما لا شك فيه أن مؤسسة الأسرة تحتل مكانة الصدارة في تلك المؤسسات لا سيما وأنها الأكثر تأثيراً في تكوين شخصية الأبناء وتنميتها.
لإلقاء مزيد من الضوء على تلك المؤسسة الهامة كانت لنا اللقاءات التالية مع الأبناء ومن ثم مع الآباء وبعدها كانت لنا وقفة مع الباحث الاجتماعي.
مع الأبناء
-منير محمد يقول عن علاقته بأهله بأنها مبنية على المحبة والاحترام ويضيف قائلاً أنا أتقبل كل ملاحظاتهم بصدر رحب لأنني على يقين بأنهم يريدون الخير لي وأقدر عالياً مناقشتهم لي بكل أمر وعدم اتباع أسلوب القسر والزجر فالحوار البناء الذي يعتمد على الإقناع أسلوب حضاري فعال ومثمر.
-بهية محمد ثائر تقول تكثر الممنوعات لدينا في المنزل لدرجة أنني أصبحت في المرحلة الجامعية ومازلت أخجل من كل شيء, ففي صغري كان محظراً علي المشاركة في الحديث أو اللعب أو إبداء الرأي وإذا فلتت مني بعض العبارات لاشعورياً حيال أية مسألة كنت أواجه بسخرية لذا قررت ومنذ ذلك الوقت عدم المشاركة أو إبداء الرأي بأي شيءوالآن أنا أعاني بالجامعة من هذه المسألة كثيراً وخاصة عندما يطلب منا أساتذتنا تقديم حلقات البحث والتي تحتاج إلى مناقشة وحوار حيث يبدأ صوتي بالارتجاف وأشعر أنني غير قادرة على الوقوف أمام أصدقائي الطلبة وأساتذتي والآن لدي رغبة جامحة للتخلص مما أنا فيه.
-عارف س طالب في كلية الطب البشري يقول: أمضيت في كلية الطب تسع سنوات ولا أزال في السنة الرابعة والسبب أنني كنت أرغب في دخول كلية الهندسة وحصراً الميكانيكية ,فأنا قبل دخولي الجامعة كانت لدي هواية قراءة الدليل المرافق للأدوات الكهربائية وبناء على تلك القراءة أتمكن من إصلاح كل تلك الأدوات مثل التلفاز والمسجل والراديو والكاميرا وفرن الغاز والغسالة وغير ذلك حتى أن كل جيراننا وأقربائنا باتوا يأخذون رأيي بأي عطل يقع على أدواتهم الكهربائية,وكانوا يطلقون علي اسم العبقرية وكان حلم حياتي أن أصقل تلك الموهبة بدخول كلية الهندسة ولكن عندما نجحت بالشهادة الثانوية حصلت على علامات عالية جداً تخولني من دخول كلية الطب,أجبرني والدي على دخول كلية الطب وكل محاولات إقناعه باءت بالفشل الذريع وكانت نتائجي في تلك الكلية مفاجئة للجميع نظراً لعلمهم بتفوقي المستمر إلا أنا فكنت أعلم بأنني سأصل إلى ما أنا عليه الآن نظرا ً لعدم انسجام الكلية التي دخلتها مع نفسيتي وإمكانياتي ولا أملك إلا أن أقول الفرصة كانت متاحة أمامي كي أكون الأول على كلية الهندسة ولكن لاحول ..ولا قوة..
-عبد الله محمود آغا يقول: منذ الصغر عودنا والدنا على الصراحة والصدق في التعامل مع أفراد الأسرة أولاً ومع أفراد المجتمع ثانياً فنحن نتحاور بأي مسألة تهم الأسرة وتأتي النتائج متوافقة مع الأغلبية ولكن لابد من الإشارة بأن بعض القرارات الصعبة يكون رأي الوالدين مرجحاً ونحن نرحب بذلك نظراً لقناعتنا بخبرتهما.
-سهير الخفر تقول: تعودنا ومنذ الصغر أن رأي الوالدين يجب أن ينال كل الاحترام والتقدير من قبلنا وأن لا مجال لمناقشته ولكن عندما أصبحنا في سن الشباب أعطانا الأهل هامشاً أكبر من الحرية جعلنا نحاورهم ونناقشهم وفي كثير من الأحيان نقنعهم بوجهة نظرنا.
-جواهر ليلا تقول: عندما يكون الفرد طفلاً يكون كالورقة البيضاء والأهل هم المؤسسة الأولى التي تسطر الأفكار والعادات والتقاليد والقناعات التي تريدها وعندما يصبح الأولاد شباباً يقومون بعملية الغربلة والانتقاء بحيث يتمسكون بما غرسه أهلهم فيهم ويرونه مناسباً ولكنهم يطورون بعض الجوانب بتأثير من المؤسسات التعليمية الأخرى.
وهذا المزج برأيي له إيجابيات كثيرة حيث يحصل تطوير لبعض الأفكار البالية وأسوق على سبيل المثال اعتقاد بعض الأهالي بأمور السحر والشعوذة واللجوء إليه لحل بعض المشكلات التي تواجههم ,فيأتي الأبناء ونتيجة تلقيهم للعلم والمعرفة يرفضون تلك العادات البالية ولكن الأبناء المميزين هم الذين يستطيعون إيصال أفكارهم المتطورة إلى أهاليهم بطريقة محببة ومقبولة بعيدة عن إلقاء الخطب وتوجيه اللوم أو التجريح أي بأسلوب بعيد عن الإهانة وإذا تمكنوا من هذا الأمر بنجاح يمكنهم أن ينالوا ثقة أهلهم بل ويصبحون محور المنزل وتصبح آراؤهم هي الأساس عن طيب خاطر من الأهل.
مع الأهل
-السيدة أم طلال: لقد لمست في علاقة السيدة أم طلال بأبنائها تميزاً فريداً من نوعه فهي حنونة ومحبة ومعطاءة وفي الوقت ذاته تتمتع بشخصية قوية..لديها قدرة عالية على التجريد بحيث لا تختلط الأوراق والأمور عندها بعضها ببعض.
سألتها عن علاقتها بأبنائها عندما كانوا صغاراً فقالت :تارة كانت علاقة صداقة وتارة أخرى علاقة أخوة.فأنا لا أحب الدلابل الذي يؤدي إلى الميوعة,ولكن هذا لا يتناقض مطلقاً مع غمر الطفل بالحنان والرعاية والاهتمام,فعلى الأم ألا تدع أولادها يدركون نقاط ضعفها لكي لا يتسللوا من هذا الباب ليحصلوا على ما يريدون. وتضيف السيدة أم طلال قائلة إن أسلوب التربية لا يمكن قولبته أو جعله وفق بنود متسلسلة لأن هذا يتوقف على ( الوالدين) وكذلك على (الأولاد) وكلا الطرفين يختلف من شخص إلى آخر.ولكن هناك حدود اًأساسية يسعى جميع الآباء- برأيي- لوضع أبنائهم وفق المسار الصحيح ولا سيما ما يتعلق بالقيم والأخلاق والعادات الحميدة.
وأود أن أشير إلى أن السيدة أم طلال لديها خمسة أبناء ثلاثة شبان طبيبان وأديب صحفي وبنتان صيدلانية وخريجة كلية الفنون الجميلة فجميعهم فاعلون ومتفاعلون ولمسات التربية السليمة بادية بشكل واضح للجميع.
-السيد منيب داغر يقول: في السابق كان أهلنا يختارون لنا كل شيء الثياب والدراسة أو المهنة وكذلك المنزل وحتى العروس ولكن الآن تغير كل شيء فأبناؤنا بدؤوا يقررون كل شيء يتعلق بأنفسهم بل وأحياناً يريدون أن يختاروا لنا نحن أيضاً.
-السيدة إقبال تقول: لدي ولدان وابنة وحيدة ومع ذلك فأنا أشعر بالوحدة لأنهم لا يجلسون معي ومع والدهم, فلكل واحد منهم عالمه الخاص فعلى الرغم من التضحيات والتنازلات الكبيرة التي قدمتها من أجلهم إلى أن كبروا أشعر أنهم قابلوا كل ذلك باللامبالاة وكل من حولي يحملني مسؤولية ذلك كوني دللتهم كثيراً, وأقول فعلاً أنا كنت أسعى إلى تنفيذ كل ما يطلبون ويتمنون ودون انتظار أي مقابل منهم ولكن الذي يحز بالنفس هو أنهم حتى الآن لا يأتون إلي ولا يتقربون مني إلا إذا كانوا يريدون شيئاً ما.
مع الباحث الاجتماعي
الباحث الاجتماعي زهير خليل قال:
ينبغي على الآباء التعامل بلطف مع الأبناء ونبذ العنف والقمع لأن في الرفق لطفاً وجمالاً واستجابة للقلوب وتجاوباً ًمع مصادرها وتقبلها فالخطاب التربوي السليم الذي يصل إلى قلوب الأبناء يكون أطول وأعمق أثراً وذا فائدة أكبر في تنظيم وتوازن وتهذيب الدوافع الإنسانية وإن لتفهم الآباء لخصائص الأبناء أثراً كبيراً من حيث الكفاءات العمرية والجنس, فيجب أن ينظر الآباء للجنسين بميزان العدل وأن يراعيا خصائص التبدلات الفيزيولوجية لكل منهما وفق ا لمراحل العمرية بالإضافة إلى ضرورة مراعاة الفوارق الفردية وتأمين آليات تنميتها في الاتجاه الإيجابي وتنمية الحس العام والروح الاجتماعية والإنسانية عند الأبناء وذلك بالعمل على تنمية الحس العام بحيث يتفاعل مع الحركة المجتمعية وكذلك تنمية روح البحث و الإبداع والفكر المنهجي العلمي ولا يتحقق ذلك إلا بأن تسود الأسرة أجواء ديمقراطية.