تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الوردتان

الجولان في القلب
الأثنين 10/11/2008
منهل إبراهيم

الشام صاحبة الشموس التي لا تأفل وكلمة الحق الطالعة من سفر الزمان التي استولت على الشهب وطاولت أعنان السماء,

هكذا يراها مجد الذي طوى المسافات إليها من أرض التين والعنب وجاوز وادي الأقحوان عابراً بجسده المتوقد خطوط الوهم التي صنعتها يد المحتل الإسرائيلي الغاصب.‏‏

عاد مجد إلى بيته العاشق المعشوق.. العاشق للأمومة الترابية التي لاينفصل عن كيانها.. المعشوق من أهله الملتصقين بفنائه والمحتمين بظله والمتوحدين فيه وبصخوره الغافي عليها, حاملاً معه شهادته الجامعية التي خط كلماتهاواستحقها بتعبه وسهره وإيمانه بوحدة الخارطة العربية وسخطه على موانع الاحتلال خنجره الطارىء المغروس في جسد العرب.‏‏

حمل مجد في رأسه بحاراً زاخرة بالأفكار والذكريات للذين تركهم في الشام وفي مخيلته أمواج تتلاطم بأطياف الماضي القريب لقريته الواقفة كأمه العجوز تترقب عودته لتلوح له بمنديلها الأبيض, حين يقترب الغائب بجسده من الجسد الآخر حيث الأرض والكروم.‏‏

مجد الذي قدم من الوطن إلى الوطن ومن الأرض القريبة إلى الأرض الأقرب كان قد ذاب في أروقة الشام وطرقاتها وتوحد مع رفاق الفكر والعلم واعتاد مرافقتهم لبيوتهم والولوج لأدق تفاصيل حياتهم.‏‏

كلماته التي أطلقها لايزال يتردد صداها في أزقة الشام العريقة وبيوتها الدمشقية التي تختصر عبق الشام وألق الماضي وعزة الحاضر.. وهو رأى في كل بيت دمشقي غوطة ولمح وراء كل وردة حمراء مقاوماً يغفو وأشعة المقاومة والثورة لاتفارق أهدابه.‏‏

لايزال مجد يذكر كيف تناول وردة دمشقية حمراء من بيوت أحد الأصدقاء الذين درس معهم في الجامعة بقسم الجغرافيا, ووضعها في طيات كتابه..‏‏

ربما أراد أن يغادر الشام حاملاً معه بالإضافة لشهادته الجامعية وردة دمشقية ينثرها في وادي الاقحوان.‏‏

أحس مجد أن المسافة من دمشق إلى الجولان أطول من سنواته الأربعة التي قضاها في دراسة جغرافيا وطنه وعالمه وشعر بوخز أشواك المحتل المؤلمة وهو يتخطى حواجزه الباهتة الهشة المتهالكة.‏‏

هو يعرف أنه لن يسمح له بالعودة في الوقت الحاضر مع يقينه الراسخ أن ناقوس العودة يدق وصوته يقترب مع كل يوم جديد تفتر فيه الشمس للكروم ويغازل فيه القمر سماء الجولان عابساً في وجه الدخلاء الغرباء.‏‏

مضى الوقت سريعاً على مجد ومرت الشهور والأعوام وراحت الظروف تحاصره.. هو يريد البقاء.. مغادرة الوطن بالنسبة له أمرصعب فرسالته في وطنه بدأت وفيه يجب أن ينهي خواتيمها ويعلّم كما تعلّم.. يُعلّم الأجيال أن الجغرافيا العربية قطعة فسيفساء ترسم لوحة واحدة بالرغم من كثرة التفاصيل وتعدد القطع..‏‏

يُعلِّم أن أرض الجولان ياقوتة الوطن الغافية بين ورود الشام وحاراتها.‏‏

راقب مجد الجولان وهو ينبض في صدر كل رفيق له ,في الجامعة وشاهده ساكناً في حنايا الحياة اليومية السورية في حدائق البيوت يمازج قطرات الندى على وجه الزهور وفي حجارة كل طريق وهواء كل قرية على امتداد الوطن الكبير.‏‏

حين أملى قرار السفر إرادته على مجد احتضن كتابه في ذلك اليوم ومشى.. مشى حتى وصل إلى بيت جولاني يحتضن حديقة فاضت بأنواع الورود وتناثر هضيم الطلع منها في كل الأرجاء.. قطف وردة حمراء وفتح كتابه ووضعها بجانب الوردة الدمشقية.‏‏

عندما حلقت الطائرة فتح كتابه وتأمل الوردتين النائمتين على صفحة واحدة ليختصر المنظر في عينيه كل جغرافيا العالم.. تأمل وطناً محمولاً في القلب وعلى صفحات الكتب فسمع أصوات الأهل والأصحاب ورأى صورهم في مرايا الوردتين.‏‏

سرح مجد بخياله هنيهة وعاد ينظر إلى صفحة الكتاب ليرى وردة واحدة كبيرة لاوردتين.. الوردتان اندمجتا في الخيال وفي الصفحة كما كل واحدة ذائبة في كيان الأخرى على أرض الحقيقة السورية..‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية