وهذه صورته التي لم تفارقها ولو لحظة واحدة منذ تلك الليلة التي خرج فيها والفرحة تعلو وجهه لمشاركة شبان النضال والمقاومة في إحراق أحد المعسكرات الإسرائيلية وتفكيك بعض حقول الألغام.
هذا ما تحتفظ به والدة الأسير عاصم الولي الذي أمضى خلف القضبان أربعة وعشرين عاماً ولايزال, إضافة إلى ذكريات طفولته وحبه الكبير للوطن منذ نعومة أظفاره, وحالها كباقي أمهات الأسرى في الجولان المتل ينتظرن التحريرين معاً, تحريرفلذات أكبادهن من عتمة الزنازين, وتحرير وطنهم من قبضة المتعدين الذين دنّسوا أرضه الطاهرة بعد أن حولوا كل شبر فيه إلى مسرح يحيك قصص الغدر والإرهاب, مع علم والدة عاصم أنه لا وقت للدموع.. ولاوقت للفرح.. لاوقت للوقت شيء واحد فقط يتربع على عرش الفؤاد وهو أصوات هؤلاء تنبعث من قلاع المجد والفخار.. هاماتهم عالية وترتفع بين أيديهم بيارق الوطن الكبير وصوره, فهي أوسمة يحتضنها كل حر منهم وباقات ورد يشم رائحة النصر فيها.
تعالين أيتها الأمهات للصلاة فقط.. عسى أن تنجلي غيوم الحقد عن أرضنا.. فدعواتكم مباركة.. ودفء قلوبكم يقينا برودة الانتظار . وكلماتكم آيات سكينة في زمن عمت فيه الفوضى وثقل فيه رأس تجار الأسلحة والجريمة وتطاولت أيدي الفاسقين, فجنائن اللوز والتفاح تفتح ذراعيها وصدرها ليتجول هؤلاء الأبطال بين ظلالها التي تتسع لولادات جديدة يخشاها المارقون ستسير على خطاكم يوماً ما.. وعندها ستكون الممرات ضيقة للمعتدين وتتحول الأودية الخضراء إلى مستنقعات لدمائهم العفنة.