وهكذا فإن مؤتمر دربان الأول - على عظيم أهميته- لم يكن له حظ كبير من التغطية الإعلامية.
وفي دوائر حقوق الإنسان العربية, على حد ما أعلم مما تناهى إلي وبدرجة أعلى ولاسيما في الدوائر الحكومية العربية, ثمة أفكار متعددة حول كيفية معالجة موضوع العنصرية الصهيونية في المؤتمر القادم, الأسئلة الثلاثة الموجزة تحاول إلقاء شيء من الضوء على موضوع لا يستطيع أحد أن يشكك في أهميته البالغة.
النقطة الأولى: هل وصف مؤتمر دربان الحكومي الصهيونية بالعنصرية?.
خلافاً لما يرد في كثير من كتاباتنا العربية عن مؤتمر دربان, لم يتخذ المؤتمر قراراً بأن الصهيونية عنصرية, بل إن المؤتمر لم يناقش مطلقاً موضوع العنصرية الصهيونية, ماجرى هو أن بعض قادة الدول في كلماتهم, وبعض المندوبين في مداخلاتهم, أثاروا الموضوع تصريحاً أو تلميحاً, إلا أن توصيف الصهيونية بأنها عنصرية لم تكن أبداً على جدول الأعمال.
يتغذى الوهم السائد من منبعين, المنبع الأول هو أن المؤتمر غير الحكومي, الذي سبق المؤتمر الحكومي وتزامن معه لمدة يوم واحد, هو الذي اتخذ قراراً بضرورة إحياء القرار /3379/ الملغى رسمياً عام 1991.
أما المنبع الثاني فهو موقف (إسرائيل) وأمريكا المتحفظ على كل مؤتمر, ذلك الموقف الذي يصر بأن مؤتمر دربان كان مؤتمراً لاسامياً, أي معادياً لليهود, هذا الموقف الإسرائيلي- الأمريكي من المؤتمر غير مبرر على الإطلاق بمقتضى نصوص بيان مؤتمر دربان وبرنامج العمل الذي تبناه, وربما على العكس: أعطى مؤتمر دربان الحكومي للهولوكوست (المحرقة, الشواء) ما لم يعطه له من قبل أي مؤتمر حكومي يعقد في نطاق الأمم المتحدة.
إذن, فمنذ أن ألغي القرار(3379) يوم 16/12/1991 لم يتم أبداً في نطاق المنظمات الدولية, البحث في موضوع إحياء ذلك القرار الذي يصح وصفه بأنه أخطر قرار في تاريخ النضال العربي ضد الصهيونية, بل وفي مجمل تاريخ الصهيونية منذ عقدها مؤتمرها التأسيسي (الأول) عام 1897 في بال بسويسرا.
ولنتذكر: ألغي القرار 3379 دون معارضة حكومية عربية حازمة, وجاء إلغاؤه نتيجة تلويح أمريكي بسلم عادل ( أو شبه عادل أو ربع عادل) ينتج عن مؤتمر مدريد عام 1991 ونعلم أن الحصيلة كانت أدنى من متواضعة.
السؤال الثاني: من يتخذ القرار السياسي باحياء القرار /3379? الحكومات العربية أم المنظمات غير الحكومية العربية?
على حد ما أعلم - وأحب أن يصحح معلوماتي من لديه علم أكثر يقيناً - ثمة قمة عربية واحدة اهتمت بالقرار هي تلك التي عقدت في بغداد عام 1990 وثمة قمة إسلامية واحدة اهتمت به, واتخذت قراراً بإحباط محاولات إلغائه, هي التي عقدت في السنغال خريف عام 1991, أي قبل أسابيع من إلغائه, قد تكون القمة الإسلامية في الكويت عام 1987 قد اتخذت قراراً بشأن دعم القرار, ولكنني لست متأكداً.
وكانت ثمة عدة قرارات اتخذتها هيئات حكومية عربية سواء على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى المندوبين المعتمدين لدى جامعة الدول العربية, ولا أدري إن قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتوثيق دقيق لمدى اهتمام الحكومات العربية بالقرار.
هل بإمكان الحكومات العربية اتخاذ قرار يتم التباحث بشأنه في مؤتمر دربان الثاني الحكومي? الجواب ليس لي, ولن أتبرع بإجابة تخمينية.
وفي رأيي المتواضع يجدر بالمنظمات غير الحكومية العربية أن تأخذ زمام المبادرة, وبدءاً من هذه اللحظة.
لدى التحضير لمؤتمر دربان الأول عام 2001 بدأت هذه المنظمات تحركها منذ عام 2000, وكانت الظروف مناسبة أنذاك, كان لدينا على الأرض انتفاضة ثانية.
كان لدينا الحراك الدولي- والعربي من ضمنه وفي قيادته - الذي أنتجه استشهاد الطفل محمد الدرة, كان لدينا مؤتمر القمة العربية الطارىء في القاهرة أواخر عام 2000, أنذاك قادت الحملة من أجل إحياء القرار عدة هيئات غير حكومية عربية.
وفي تقديري أن الوقت قد حان, ولم تعد تفصلنا عن مؤتمر دربان الثاني إلا فترة تقل عن نصف عام, لكي تباشر المنظمات غير الحكومية العربية تحركات منسقة من أجل العمل على محاولة إحياء القرار 3379.
ولكي لا أفهم خطأ أوضح: تظل الحكومات العربية هي المسؤولة الأولى لكي تكون محاولة إحياء القرار 3379 جهداً ذا معنى, فمؤتمر دربان الثاني, كما الأول, مؤتمر حكومي قبل كل شيء, وللحكومات العربية الكلمة الأولى في المحاولة, ولعل مؤتمر القمة العربي القادم في الكويت مطلع عام 2009 - ورغم صفته الاقتصادية يرى مناسباً أن يحيد قليلاً عن الاقتصاد لكي يتخذ قراراً بشأن قرارٍ سبق للقمة العربية عام 1990 أن رأت دعمه, ويمكن للصياغة أن تكون مرنة بحيث ترضي الجميع, اللغة العربية ومعها اللغة الدبلوماسية مرنة تسمح بإرضاء الجميع.
السؤال الثالث: ما العمل الآن? ثمة على مستوى حكومي عربي - يجدر بحكومة عربية ما اتخاذه لكي تبدأ محاولة إحياء القرار, وبالطبع, أرجح أن تكون الحكومة السورية هي تلك التي تبادر, متعاونة في ذلك مع الإخوة الفلسطينيين, ومع حكومات عربية أخرى تستجيب إن نوديت باسم قدسية النضال ضد العنصرية.
ولنتذكر: يربط الميثاق العربي لحقوق الإنسان بين الصهيونية و العنصرية.
وثمة عمل على مستوى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية, بإمكان الأمانة العامة أن تصدر- وسريعاً - توثيقاً بشأن القرارات التي اتخذتها مختلف الهيئات الحكومية العربية بشأن القرار, ومع التوثيق دراسة عن إمكانيات إثارة الموضوع مجدداً, وكما أعلم - وكما علمتني الأيام كما علمت غيري - كثيراً ما تقود الدراسات إلى قرارات.
ثم إن الأمانة العامة هي الهيئة التنفيذية الأولى للميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي كما قلنا أعلاه يربط بين الصهيونية والعنصرية, فلتقم الأمانة العامة إذاً بمهمة تفعيل ذلك الجزء من الميثاق, ثم لدينا العمل غير الحكومي.
وثمة هيئات أخرى لا أود أن أغمطها حقها وقد أشير إليها في مناسبات قادمة.
ثم أود أن أختم بفكرة عملية مباشرة يمليها علي الشرف الذي حباني به زملائي في الرابطة السورية للأمم المتحدة, حين توافقوا على رئاستي, سوف أعرض على مجلس إدارة الرابطة في أول اجتماع له وضع دراسة تنفيذية الطابع عن أساليب إحياء القرار /3379/, إلا أن عمل جهة غير حكومية متواضعة الإمكانيات لا ينبغي أبداً أن يكون ذريعة لإهمال العمل من قبل جهات حكومية وغير حكومية ذات إمكانيات أكبر.