واضح جداً أن أوباما الذي اخترق الحالة السياسية في الولايات المتحدة, لعدة عوامل واعتبارات, بات هو المؤهل أكثر من غيره بسبب هذا الاختراق ليحقق ما يسمى المعجزة الأميركية ليس على المستوى الداخلي الاقتصادي والاجتماعي وحتى العقائدي, بل وأيضاً على المستوى الخارجي السياسي, وهذا ما يعنينا نحن كعرب أكثر من المستوى الأول, فأميركا الآن هي العدو الأكثر وضوحاً وجلاء بالنسبة للعالم برمته, وهي التي تقف وراء كل الاضطرابات والاحداث الساخنة, والمناطق الملتهبة, هي حالة كراهية للشعوب بسبب ما أقدمت عليه من خرائب وحرائق في مناطق كثيرة من العالم, وبسبب الويلات والنكبات والاضرار التي أحدثتها أيضاً لهذه الشعوب في اميركا اللاتينية وفي آسيا, وفي افريقيا, ولأوروبا أيضاً.
بمعنى آخر إن الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش, وإدارة الجمهوريين الجدد (المتصهينين) لم تضمن لسياستها وممارساتها وخططها أي صديق, بل تعمدت على أن تخلق أعداء لها, أو في أفضل الحالات تعمدت أن يكون لها عملاء كاحتياطي استراتيجي لهذه السياسة, وتلك الممارسات وإذا كانت الولايات المتحدة تستند إلى مقولة (لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم في السياسة), إلا أن ما تطلق عليه بالحلفاء القدامى لم يعودوا كذلك, وأرادت أن يكونوا العملاء الجدد لسياسة مارستها بكل وحشية وقساوة في علاقاتها الخارجية, وكأن الولايات المتحدة وعلى امتداد ثماني سنوات تحولت بالفعل إلى ميدان لتصدير الحرب والارهاب والموت ولتوزيع الكراهية على الشعوب, ولما أرادت أن تبحث في أسباب ذلك, لم تجد إلا أن تردد أن هذه الكراهية لن تكون دائمة, ولم تجد أيضاً إلا أن تبرر لنفسها تصاعد حدة وتائر هذه الكراهية في أنها تخوض حروباً على الارهاب, وهي الحالة التي لا تقبل على المستوى الدولي إلا أن يكون الجميع تحت لوائها ووراء راياتها, وهو ما وجد تعبيراً حقيقياً له عند إدارة المحافظين بالقول: إذا لم تكن معي فأنت ضدي!!..
أسوق ذلك لتوضيح مدى التركة الثقيلة التي خلفتها هذه الإدارة للرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما, وكذلك العبء الذي على الحزب الديمقراطي أن يزيحه عن كاهل الولايات المتحدة من أجل تمهيد الطريق, على الأقل, لضمان نجاح خطط أو نهج التغيير الذي نادى وينادي به اوباما, ومن هنا جاء السؤال المركزي المطروح على اوباما وهو يعد العدة لتأمين كادره الاستشاري والرسمي, أو طاقمه المساعد على تنفيذ خطط التغيير.. هل سينجح فعلاً في أن يكون غير الرؤساء الاميركيين على نحو تجديدي, وليس على نمط تقليدي معروض مسبقاً وسلفاً.
ليس من الضروري ونحن نحاول الإجابة عن هكذا تساؤل العودة إلى سجالات ونقاشات لا تزال دائرة تتعلق بمن يحكم أميركا.
وكيف تصنع السياسة هناك, ومن صاحب القرار الفعلي قبل أن يصدر عن الرئيس أو عن الكونغرس?
لكن من الضروري أن نشير إلى أن الرئيس في الولايات المتحدة وعلى مستوى الأحداث والتوجهات والرؤى, وإذا كان يتمتع بقدرات خاصة وغير استثنائية, له بصماته الواضحة على المسار السياسي وغير السياسي في الولايات المتحدة, ولاسيما من ناحية السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول, وله أيضاً دوره وجهده وكيفية توجيه دفة الأحداث والتطورات ولما كان أوباما وخلال حملاته الانتخابية ومعركة السباق إلى البيت الأبيض قد ولد حالة من الشعور في أنه إذا ما جاء رئيساً فإن أميركا تكون قد اجتازت لحظة تاريخية ومن أجل ألا يتوقف الزمن عند هذه اللحظة فيمكن أن يكون برنامج التغيير الذي جاء به إلى البيت الأبيض هو الامتحان الحقيقي, بل والمنعطف المصيري لاوباما من أجل أن تكون أميركا دولة عظمى عادلة ومنصفة وليست دولة حرب وظلم تحمل شرارة الحرائق والدمار والكوارث أو تلعب دور تاجر الموت, أميركا التي يريدها أولئك الذين ساندوا اوباما هي أميركا العدل والحق والقانون والمساواة, والانحياز إلى المظلوم, وليس الظالم, وإلى المعتدى عليه وليس المعتدي وإلى الضحية وليس إلى الجلاد والقاتل.إذا خلق اوباما من أميركا مثل هذه الوقائع على الأرض وبالملموس فإنه يكون بحق قد اجتاز امتحان التغيير, ولم يعد بالامكان القول: إنه لا وجود لسياسة خارجية أميركية خالصة وبحتة, بل إن هذه السياسة تصنعها (إسرائيل) وتقوم الولايات المتحدة بتنفيذها, إن الذين انحازوا إلى اوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية وهزموا الجمهوريين الجدد والقدامى ممثلين بمرشحهم جون ماكين أرادوا من هذا الانحياز خلق أميركا جديدة متغيرة وقابلة للحوار والتعاون مع الدول والشعوب على أساس الاحترام المتبادل والثقة, وبذلك تخرج أميركا من جلد معاداتها للشعوب ومن الكراهية التي وضعها فيها الرئيس بوش خلال السنوات الثماني الماضية, فهل ننتظر أملاً من اوباما, يقلب الصورة ولتصبح أميركا غيرها في عهد الديمقراطيين بعد إزالة آثارهم وتسوية خرائبهم,والانتقال تاريخياً إلى العدل والمساواة والحق? سؤال برسم اوباما أولاً وعاشراً?