تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة نقدية.. «الحكواتي» جوان جان.. يـروي حكايـا الإبداع في المسرح السوري والعالمي

ثقافة
الاربعاء27-4-2016
علي الراعي

كل الإبداع؛ تناسل من الحكاية، فما الذي لم تقله الحكاية ذات حين، ولم يأت به الإبداع، و يلوّن عليه فيما بعد، وبصورة عامة، فإنّ الحكاية تؤرخ جوانب من حياة الشعوب،

‏‏

وإذا كانت الحكايات في كثير من الأحيان تعوزها دقة العلم، فلأنها لاتتعدى كونها تاريخاً شعبياً، وبما أن الإنسان يُميّز عن الكائنات الأخرى بأن له تاريخاً مليئاً بالجهد والمثابرة لكشف الجديد والمجهول في أي مجال كان، فقد استخدم المسرحي السوري جوان جان؛ ليحكي تاريخاً مثبتاً؛ أسلوب الحكاية، ذلك الأسلوب الذي أوّل مايتم به إقناع الأطفال من اساليب الإبداع «بحادثةٍ ما» أو عبرةٍ ما، منذ أن تناولته «أوّل جدة» في تاريخ سورية الطبيعية القديمة، وأقصد بذلك الربة «ليليت» التي أوّل من حُكيّ عنها أنها أول من هدهدت للأطفال حكاياتها.‏

في كتابه «حكايات مسرحية» الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب - وزارة الثقافة، يروي جوان جان هذه المرة لليافعين حكايات الإبداع في المسرحين السوري والعالمي متناولاً قضايا الإبداع وبعض المصطلحات المسرحية، إضافةً لبعض حكايات رموز المسرح في العالم، وبعض مبدعيه الذين كان لهم قصب السبق في إضاءة الخشبة المسرحية في مختلف مناطق العالم.‏

وأولى الحكايات المسرحية، التي يرويها أحد أبرز «شغيلي» المسرح في سورية، مؤلف هذا الكتاب؛ كانت من المسرح السوري، وخلال هذه الحكاية يسرد جوان جان الحكاية الأقدم في هذا المسرح، والتي شكلت الإرهاص الأول لما ستصير عليه ملامح المسرح السوري اليوم، تلك الحكاية التي غلب على تفاصيلها الكثير من التراجيديا، ربما، لأنها كانت السباقة أولاً في الظهور المسرحي، ولأن المجتمع حينها الذي كانت تحكمه «العثمانية البغيضة» التي حاولت إحراق حكاية الإبداع في مهدها، وأقصد بذلك الحكاية التي ولدت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لرائد المسرح العربي؛ أحمد أبو خليل القباني، الذي قدم أعماله المسرحية في دمشق أولاً، وكان ذلك لمدة سنتين، لينتقل بعدها إلى مصر، ويُقدم العديد من الأعمال المسرحية ويُحقق الكثير من الشهرة، ومن ثمّ ليعود بعدها إلى دمشق ليختتم حياته فيها، وهو الذي قدّم للمسرح السوري والعربي أعمالاً مسرحية جمعت بين التمثيل والغناء والرقص والموسيقا، مستفيداً فيها من حكايات التاريخ ليقدم الموعظة والمقولة التي تُناسب جمهور عصره الذي لم يكن حينها عرف فن المسرح.‏

وعندما توفي القباني سنة 1903، بدا الأمر وكأنّ المسرح مات معه، فقد بقي المسرح شاغراً ما يُقارب من ربع قرنٍ من السنين، إلى أن استهلمت فرقاً مسرحية حماسه وأنبتت بذرته التي زرعها عشرات الفرق المسرحية التي تأسست خلال بدايات القرن العشرين، وحتى منتصفه أكملت مسيرة القباني ورعت نبتته المسرحية التي صارت اليوم «شجرة» سورية عتيقة تحكي قصة هذا الفن الجميل على مدى الدهور كبلوطة على سفح جبلٍ فينيقي قديم.‏

وإذا كانت الحكاية المسرحية في سورية؛ ارتبطت بحماسة مبدعٍ مُغامر تحمّل الويلات لأجل تقديم إبداعه في مجتمع كان يُحارب الجمال في ذلك الفضاء العثماني الكريه، غير أنّ الحكاية المسرحية في الهند - على سبيل المثال - فقد ارتبطت بإرهاصات أسطورية، ما أضفى على الحكاية جمالاً خاصا، إذ يذكر الباحث: لا أحد يعرف متى نشأت على وجه الدقة المسرحية الهندية القديمة «السنسنكرتية» كما لا يعرف أحد الأسباب الحقيقية وراء إهمال الاهتمام بتسجيل الوقائع وحفظها، لذلك ليس مستغرباً أن تكون البدايات ضائعة ما بين الأساطير والوقائع، وبناء على ذلك ظهر العديد من التكهنات والحكايات التي تربط بداية الفن المسرحي في الهند بظروف وأحداث أقرب إلى الأسطورة منها إلى الواقع، بل هي في كثير من مناحيها أساطير محضة مرتبطة بحكايات خرافية، يذكر بعضها أن المتعة التي يُحققها المسرح على الناس من «أرناسي» حُكم عليها أن تهبط من السماء إلى الأرض بعد أن انشغلت بالتفكير بحبيبها الذي ينتمي إلى بني البشر.‏

وفي خرافة أخرى انبثقت عناصر الدراما: «الأغنية، الإيماء، الرقص» من شخصيات أسطورية لها وزنها في التراث الشفوي المتوارث، ولكن على الأرجح فإن العنصر النابع من تلاوة الملحمة هو الذي حدد شكل الفن الجديد - المسرح، الذي ظهر بعد ظهور الرقص والغناء والقصيدة المنشودة والملحمة المتلوّة، وتُشير الوقائع إلى أن حكيماً يُدعى بهارتا قام بتأليف كتاب شامل عن الدراما الهندية القديمة يتصف بتمسكه بقواعد صارمة، هذا الكاتب الذي أضحى معتمداً لدى كل المسرحيين الهنود.‏

سأكتفي من حكايات جوان جان المسرحية بهاتين البدايتين لنشوء المسرح في عالمين مختلفين، هما سورية والهند، مع أن الكاتب روى الكثير من حكايات الكتّاب المسرحيين على وجه التحديد، وذلك في مختلف مناطق العالم الذي يهفو للجمال في وجه البربرية الشاملة التي تُحارب الإبداع على الطرف الآخر من هذا الكون على مرّ الأيام.‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية