تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ابداع عالمي.. أيتها الأخلاق.. أيها العلم..!

ثقافة
الاربعاء27-4-2016
عقبة زيدان

ونحن نقرأ كتاب (الأمل والذاكرة) للمفكر تزفيتان تودوروف، سنجد أنفسنا في ورطة كبيرة، حيث يفاجئنا سؤال: ما العلاقة بين المعرفة والعلم والأخلاق؟ وهل كان العلم سبباً في تدمير الإنسان لكرته وفي استغلال واحدنا للآخر؟

‏‏

هذا مأزق فعلاً، فحين يقول روسو إن: «المعرفة لا تولّد الأخلاق، والأفراد المثقفون ليسوا بالضرورة أناساً صالحين»، نجد أننا نحتاج إلى بحث أكبر في علاقة الإنسان بوجوده وعلاقته بنفسه أولاً.‏

يقول تزفيتان تودوروف إن «الخير والشر ينحدران من نبع واحد» وهذا صحيح تماماً، ولكنهما - أي الخير والشر - نتاج لحرية البشر التي تخولنا تبديل خياراتنا في أي لحظة. إذاً، فالخيارات أمامنا، والأفضل موجود في النهج الذي سنتبعه.‏

تمتلك الأنظمة الديمقراطية - حسب تودوروف - وسائل تجسس وتحكم فريدة من نوعها، ولديها علماء قادرون على السيطرة على رموز علم الوراثة؛ إذاً فهي قادرة على خلق جنس بشري بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا التحكم يلغي إمكانية مستقبل حر ومثمر، لأن الأجيال القادمة، محكوم عليها بالضرورة بالانقياد والسير في الطريق المرسوم لها، دون إمكانية آنية للانفلات من قوة الهيمنة. ويرى تودوروف أن تلك الأنظمة تلزم أبناءها بالخنوع والإذلال، فقط من أجل الاستمتاع بممارسة السيطرة عليهم.‏

بينما يرى الفيلسوف الفرنسي هيبوليت تين أن «العلم يقودنا إلى الأخلاق من خلال بحثه عن الحقيقة». هنا يوجد شرط وهو «البحث عن الحقيقة»، ولكن، وأثناء البحث عن الحقيقة، ألن يكون هناك ضحايا، أو شيء لاأخلاقي؟ من يمكنه أن يعلم مسبقاً أن البحث عن الحقيقة لن يكلف العلماء شيئاً، ولن تكون هناك -في الطريق إلى الحقيقة - جروح وأعضاء مقطوعة؟؟‏

يعاود السؤال يلح: من أين يأتي الخلاص، هل هو من العلم فعلاً؟ في نظر آلان بيزانسيون، سيأتينا الخلاص من المعرفة، وهذا أمر جيد، وجيد أيضاً أن يسانده تودوروف هنا، وهنا بالذات قائلاً: «يمكن توجيه دفة التغيير وفقاً لنشاط المعرفة، كما أن دأب العلماء سيولد الرفاهية للجميع بشكل آلي». ولكن من سيضمن لنا أن دأب العلماء سيولد لنا الرفاهية؟ هل اختراع القنبلة النووية وباقي الأسلحة التي يمكنها تدمير الأرض آلاف المرات، يعد رفاهية؟‏

هنا قادت المعرفة إلى عبودية الإنسان، وتدميره، وسحقه تحت عجلة الرعب القادم! ماذا سنقول: هل نقول مرحى للعلماء!؟‏

في رسالته الحادية عشرة الشهيرة عن فورباخ، قال كارل ماركس: «لم يقدم لنا الفلاسفة حتى الآن تفسيرات مختلفة عن العالم، وقد حان الوقت ليبدؤوا بالتغيير». نعم إن العالم يحتاج إلى تفسيرات لما يجري، ويحتاج إلى تغييرات، ولكن لا يمكنني - كإنسان يعيش في العالم الثالث - أن أعرف متى يحين وقت التغيير، لأنني بحاجة إلى مرحلة سابقة، تتضمن نشاطاً معرفياً ودأباً علمياً. وحتى ذلك الحين - أي حتى يبزغ النشاط المعرفي وينبني بقوة - علي أن أتابع نشاطات الآخر العلمية والمعرفية، والاستفادة منها.‏

إن معادلة المعرفة والأخلاق، صعبة جداً على الجنس البشري، ليس لأنها لا يمكن تحقيقها، بل لأن التقدم العلمي والتوسع المعرفي، لم يزيدا الإنسان إلا وحشية وتدميراً وهمجية. وإذا كان تودوروف متفائلاً في العلماء وفي أعمالهم (الكفيلة بتهيئة العقول للعيش برفاهية وراحة)، فهذا شيء يدعو إلى التفاؤل النظري، ويعمق الرؤية الإنسانية لمفكر مثله.‏

نعم، تدفعنا الرومانسية إلى التفاؤل في مستقبل إنساني أخلاقي، وربما نستمر في رومانسيتنا، ونحن نرى العلم يتقدم بشكل لا سابق له، ولكنه يقدم لنا أدوات قاتلة، ويحقن أطفالنا بجرعات هائلة من العنف. لا يمكننا أن نهمل الواقع ونعيش في أحلامنا الرومانسية، «فكل ما هو عقلي واقعي، وكل ما هو واقعي عقلي» كما يقول هيغل.‏

(الأمل والذاكرة) هو خلاصة تودوروف للقرن العشرين، وهي خلاصة عكست أسوأ ما في هذا القرن وأفضل ما فيه. ويبدو أن الأسوأ تفوق بآلاف المرات على الأفضل؛ حيث يمكن تعداد أشياء خيرة نادرة، قامت بها جمعيات إنسانية، وعلماء إنسانيون، وأفراد إنسانيون، أما الأشياء السيئة، فهي أكثر من أن تحصى، وقد قامت بها - على وجه الخصوص - الكتلة الديمقراطية الغربية، والتي يقول عنها تودوروف «إن الدول الديمقراطية والنظام العالمي لا يملكون موهبة الخير».‏

وسأختم هكذا: هناك مؤرخ أمريكي، كان جندياً عام 1945 أثناء إلقاء القنبلة الذرية على اليابان، كتب رواية جاء عنوانها (نشكر الله على القنبلة الذرية)!!!‏

وماذا بعد؟ هل ثمة أمل يا تودوروف؟ هل من منهج أخلاقي سليم، لا يفضي إلى تدمير دول وقتل أطفالها ونسائها وهوائها بحجة درء الخطر؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية