وأحياناً مقاتلات، القبضات بقفاز أو من دون قفاز، أحدهم في وجه الآخر، في منازلة بعضها كان للرياضة، وبعضها الآخر قتالاً حتى الموت.
وفي أواسط الألف الثاني قبل الميلاد (1600 – 1200 ق م) انتشرت الرياضة في شرق المتوسط كله، إذ وُجدت رسوم في قبرص على آنية فخار، ورسوم شديدة الدقة والتفصيل، في أكروتيري من الحقبة نفسها، تصور صبيين يتلاكمان. وقد وصفت الإلياذة والأوديسة، وهما ملحمتا هوميروس اللتان كُتبتا في القرن الثامن قبل الميلاد، ألعاباً رياضية عاصرت حروب طروادة، كان منها الملاكمة.
وورثت روما عن الإغريق حضارتهم ورياضتهم. وقد وصف فيرجيل، أديب الرومان الكبير، ألعاب الملاكمة في كتابته، وكان المتلاكمان يضعان في أيديهما قفازات جلد، تحمي يدي الملاكم، ولا تخفف عن وجه الخصم أو رأسه. وفي بعض الحالات كان المتلاكمان يضعان قفازات فيها بعض المعدن، القادر على قتل الخصم، حتى وصف فيرجيل في إحدى قصائده هذه القفازات بأنها: «قفازات الموت». كانت حتى مشاهدة الألعاب الرياضية محظورة على النساء، وكذلك خوضها بالطبع. وكانت مهمة الأدب والشعر في هذه المباريات، هي وصف جمال الملاكم المنتصر، وكلوم المنهزم.
القرون الوسطى
لكن في بداية عصر النهضة، ثمة نصوص من القرنين الثالث عشر والرابع عشر في أوروبا تثبت أن بريطانيا في تلك الحقبة، كانت تشهد مباريات مصارعة وملاكمة. وأول ملاكمة ذكرتها صحيفة «ميركوري» شاهدها دوق ألبمارل سنة 1681م. كان الملاكمون في ذلك العصر جزَّارين وحدَّادين وسقَّائين. وفي سنة 1719م، أنشأ جيمس فيج أول صالة مقفلة للملاكمة، في لندن. وبدا أن هذه الرياضة أخذت تزدهر في البلاد. ففي سنة 1723م، أمر الملك جورج الأول بإنشاء حلبة ملاكمة في هايد بارك. وأخذ النبلاء يدعمون بعض أفراد رعيتهم للنزال، وانتشرت المراهنة على اللعبة. وقد وضع جون بروتون، وهو سقّاء ملاكم، قوانين للعبة، نحو سنة 1743م. ثم أنشأ أكاديمية ملاكمة سنة 1747م. وقيل إن الملاكمة الحديثة تدين له بأكثر مما دانت أية لعبة لأي مؤسس من بعده. فقد نظَّم بداية المباراة ونهايتها، ودور الحكام فيها، وأسلوب تقاسم المال، وما إلى ذلك.
وسمي القرنان الثامن عشر والتاسع عشر: العصر الذهبي في الملاكمة البريطانية. وصارت اللعبة موضع فخر قومي. ففي أغنية بريطانية من تلك الحقبة، نقرأ:
الإيطاليون يطعنون الصديق في الظهرفي أحلك ساعات الليل المظلم لكن البريطانيين أشداء ولطفاء يلاكمون الصديق في وضح النهار.