إذاً, ولطالما يمرُّ الوطن السوري بما يفرض على كل مثقفٍ فيه إشهار صوته وقلمه دفاعاً عن أرضه ووجوده, لابدَّ أن نتساءل: هل قام المثقف السوري بهذا الدور أم أنه ارتدَّ على خيبةِ أقواله وأفعاله إلى أن لعنه كل حرفٍ في وطن, لابدَّ أن ينبذه إلى يوم الدين؟..
سؤال وجهناه إلى كُثر من الأدباء والشعراء والنقَّاد والباحثين, ممن أشاح بعضهم عن الإجابة ليتضمَّن جواباً كثرُ ما تضمَّنه جواب:
المثقف.. من يمتلك وعياً يقيهِ عطالة الحواس وظلام الانفعالات
< ندرة اليازجي - مفكرٌ وباحث:
ينبغي على المثقف الحقيقي, ألا يكون عنصراً مهدِّما ومُدمِّراً للفكر الإنساني, وذلك لكي لا يشارك في إحداث الأزمات, ولقد ألقيت في عدة مؤتمرات خارج سورية, محاضرات بعنوان «تنوع الثقافات والحضارات ووحدة العقل البشري».. في هذه المحاضرات أكَّدت على دور المثقف الحضاري في بناء مجتمعه أولاً والمجتمعات الإنسانية ثانيةً, وفي هذا المنظور, علمتُ أن الإنسان المثقف والحضاري هو الذي يبني أسس وقواعد المجتمع الحضاري المتكامل, بمؤسساته وعناصر تكوينه وهو الذي ينأى أيضاً عن أن يكون مدمراً للإنسانية الماثلة في صلب الحضارة والثقافة..
بالنسبة لما يتعرَّض له وطني «سورية», فهو موجة اصطبغت بالإضافةِ إلى العنف بالتوجه إلى استعادة أي (العودة) إلى نظام القبيلة أو العشيرة, وإلى طمس آثار المجتمع الحضاري والقضاء على مفاهيم وقيم الحضارة والثقافة التي تشكّل الأسس الإنسانية التي تُبنى عليها الدولة.. أعتقد أن الثقافة, واجب ملقى على عاتق الإنسان لكي يتحرّر من العوائق التي تحاول أن تُبقيهِ في زنزانة الجهل أو التي تقيده بسلاسلِ العقائد التي تشرطه بقيودها, وسواء كانت أوامر صارمة أو نواهي مانعة, ما يحتاج من المثقف إلى وعيٍ يقيهِ عطالة الحواس وظلام الانفعالات المُجسّدة بالجهل. جهل الحقيقة وغياب العقل عن نطاق المعرفة.. أي تدنّي العقل الذي يقبع في زنزانة الطمع, الجشع, التكفير, والتعصُّب الناتج عن ضيق الأفق الفكري الناتج أيضاً عن انعدام الحكمة, والاعتقاد بامتلاك الحقيقة وعدم الاعتراف بالآخر أو عدم القبول به, وحرف العقل إلى مركزية الأنا المرتبطة بالمصلحة الخاصة..
بكلِّ الأحوال.. لا يخلو أي مجتمعٍ من وجود حكماءٍ لديه, ومن الأهمية بمكان, أن يُصغي أفراد المجتمع إلى حكمائهم, وليس إلى أولي الأمر ممن قد تكون حكمتهم عمودية وخاضعة لماضٍ ليس صالحاً للتطبيق في الزمن الحالي..
أيضاً, ولأن عنوان كتابي الأخير «اللاعنف وثقافة الحوار» فإن كلمتي لأبناء وطني ومثقفيه, تتلخَّص في العبارة القصيرة التالية: «لنكن مخلصين لوطننا.. يجب أن نكون مخلصين بصدقٍ ووعي, لأن الوطن هو المنزل الذي نسكنه وهو النطاق الذي يهبنا شخصيتنا وهويتنا»..
يجب أن ينطلق من خلال المصلحة العامة للوطن
< ماجد أو ماضي - باحث وناقد:
دور المثقف في الأزمات يجب أن ينطلق من ارتقاء الوعي في خدمة الوطن، وأن يلعب دوراً توفيقياً من خلال تقريب وجهات النظر بين الأخوة المختلفين من خلال النقاش والحوار والبدء بالقضايا السهلة التي يمكن الاتفاق عليها وتجاوزها بسهولة ويُسر, من خلال طرح المشكلة وتقييم كل منهما رأيه وحجّته في حلها ثم الانتقال إلى القضايا التالية وطرحها على طاولة البحث, والوصول إلى اتفاقٍ بالرأي الذي يُرضي كل الأطراف..
إن دور المثقف يجب أن ينطلق من خلال المصلحة العامة للوطن, وإن فقدان أي إنسان هو خسارة للوطن الذي يفقد ابناً غالياً يساهم في بنائه وتقدمه وتطوره, ويجب توجيه النصح للمحافظة والحرص على هؤلاء الأبناء وتوجيه الإمكانات إلى العدو الذي يحتلُّ الأرض والديار والمقدسات, والعمل معاً على توجيه البنادق إليه وتحرير أرضنا منه لأنه المستفيد الأول والأخير مما يحدث..
لذا نجد المواقف متباينة بل متضادة تجاه ما يحدث, فنأمل أن تؤخذ الجهود لما فيه خير هذا البلد وأهله وأن تُوحَّد جهودنا جميعاً لمواجهة الكيان الصهيوني الذي يسعى إلى تهويد المقدسات والمدن والبلدات..