و الأبناء مشتتو الانتباه بين دراسة مفروضة عليهم و بين محاكاة للتطور المحموم الذي تشهده التكنولوجيا المعاصرة و وسائل الاتصال الحديثة و إضافة إلى كل هذه العوامل التي تساعد على تباعد أفراد الأسرة نجد الأوقات المشتركة بينهم لا ترتكز على أسس سليمة من شأنها تدعيم الروابط الأسرية بل غالبا ما يستحوذ التلفاز على السلطة المطلقة في الأوقات المشتركة و مازاد الأمور سوءا هو أن المنزل الواحد اليوم يتوفر على أكثر من جهاز مما يزيد الهوة اتساعا بين أفراد العائلة الواحدة .
و لعل اللجوء إلى لغة الأرقام التي توافينا بها الدراسات النفسية الحديثة المتابعة لحالة الأسرة العربية سيكون له وقع مفاجئ على القارئ فقد أثبتت بعض هذه الدراسات أن 7 من 10 أسرعربية تعاني من الصمت بين الأزواج مما يؤثر سلبا على نفسية الأزواج و الأبناء على حد السواء و من أكثر المؤشرات إنذارا بالخطر منتديات الاستشارات الأسرية و ما تلقاه من رواج و إقبال علما بأن 87% من الاستشارات تطلبها الزوجات و 10 % يطلبها الأبناء بينما لا يلجأ الزوج إلى هذه الاستشارات إلا في بعض الحالات، و نتبين من ذلك مدى معاناة المرأة العربية و اضطرارها إلى اللجوء إلى منتديات الاستشارات الأسرية كبديل عن التحدث إلى زوجها و مصارحته بما يخالج صدرها ربما هربا من صمته أو استهزائه بمشاعرها. و إضافة إلى المنتديات الخاصة بمثل هذه الاستشارات نجد إقبالا غير مسبوق على العيادات النفسية أملا في الشفاء من تبعات انعدام التواصل و ضعف الحوار و الشعور بالحرمان العاطفي سواء بين النساء و الأبناء و في حالات اقل بكثير بين الرجال.
و استنادا إلى هذه الأرقام المقلقة نتبين انتشار الطلاق العاطفي في الأسر العربية وهو يعني استمرار الزوجين في التعايش تحت سقف واحد ظاهريا بينما يعيش كل منهما حياته الخاصة و لا يعرف عن شريكه إلا القليل و هي من الأمور التي تؤدي إلى ظهور أطفال مهتزين نفسيا لأنهم يعيشون حالة حرمان من أجواء أسرية دافئة تسمح لهم بنمو نفسي طبيعي مما يصيبهم بأمراض نفسية خطيرة لاحقا.
بيوت عامرة يسكنها الصمت هذا هو حال العديد من الأسر العربية اليوم و لعل أبرز دليل على ذلك هو غياب العبارات الجميلة بين الزوجين أو بين الآباء و الأبناء و من المحزن حقا أن الأسر لا تعاني من اختفاء لعبارات المدح و الثناء و التقدير فقط بل إضافة إلى ذلك نجد تفشي الإساءة اللفظية بين الأزواج أنفسهم و بين الأبناء و بين الآباء و الأبناء و أثبتت الدراسات أن النصيب الأكبر من الإساءة اللفظية يتحمله النساء و الأطفال وهو ما يؤدي إلى انتشار أسر مفككة خالية من الإنسجام و التناغم العاطفي الذي قد يبحث عنه الأبناء في علاقات أخرى قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه و لا نظن أن الأزواج أيضا بمنأى عن المخاطر المنجرة عن مثل هذه التصرفات و الخيانات الزوجية ليست سوى مرآة تعكس هذه الحالات من التنافر و التباعد بين الزوجين.