ومن جهة أخرى تذكر بالمأساة الفلسطينية المنسية خلف قضبان الاحتلال ، ليس بصفتها معاناة انسانية فحسب ، بل لأنها جزء من قضايا الوضع النهائي التي من المفترض أن تكون في لب أي مفاوضات مرتقبة ، قبل الحديث عن الأرض والحدود والمستوطنات ، فالإنسان لا بد أن يحتل الأولوية في ترتيب أي حياة مستقبلية.
والحقيقة أن الفلسطينيين بأكملهم يعيشون حالة من الأسر الجماعي فالمدن مغلقة والقوات الإسرائيلية تحيط بها وبالقرب من كل جانب ، كما يحق لها أن تقتل من تشاء وتأسر كذلك من تشاء ، وتضرب المنازل من الجو ، وتقتل الأبرياء في سياراتهم وفي الشوارع متى ما أرادت ، ومثل هذه الأعمال اللاانسانية لا تجد الشجاعة الدولية الكافية لإدانتها . لا سيما وأن المجتمع الدولي تجاهل لفترة طويلة هؤلاء الأسرى ولم تطبق بحقهم المعاهدات الدولية الخاصة بمعاملة الأسرى ، وكالعادة فقد عوملت اسرائيل في هذا الجانب معاملة الدولة التي تتمتع بحقوق وامتيازات تخولها خرق جميع القوانين والأعراف الدولية الملزمة ، والعجيب أن الصحافة الأميركية تنشر مقالات مطولة تنتقد سياسات الولايات المتحدة ووزارة دفاعها في معاملتها للسجناء العراقيين في سجن أبو غريب ، أو حتى في السجون الاميركية في أفغانستان ، ولكن هذه الصحف لا تجرؤ على النطق بهمسة نقد واحدة تجاه ما يفعله نتنياهو وحكومته بحق الفلسطينيين .
إن الأسر لدى قوة غاشمة تجمع بين ايديولوجيا عنصرية وسياسة الغائية المتعجرفة ، يتحول إلى رحلة عذاب من لحظة الاعتقال إلى لحظة الخروج إذا قدر للأسير بأن يخرج، فإسرائيل هي الوحيدة في العالم التي تغطي التعذيب بقوانين من أعلى الهيئات القضائية فيها ، وهي تبرر لنفسها ، تحت ذريعة الإرهاب أن تفعل ما تشاء بالأسرى ما دام العالم يوافق على وضعها فوقه وخارج قوانينه .
ما أنجز اليوم يؤكد أن المعركة مستمرة . معركة لا يفترض أن تكون على هامش ما تشهده الساعة الفلسطينية ، فهي الأساس ومن جوهرها تخاض بقية المعارك .