تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تداعيات الحصار الأميركي على الاقتصاد الكوبي

شؤون سياسية
الخميس 20-10-2011
توفيق المديني

منذ انتصار الثورة في عام 1959 دخلت كوبا في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية على إثر مصادرة الشركات والممتلكات الأميركية وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في كانون الأول

1961 وفي 3 شباط فرضت الولايات المتحدة الأميركية حظرا اقتصاديا لايزال مستمرا حتى الآن آنذاك اختارت كوبا النهج الاشتراكي وفي عام 1968 تم تأميم آخر الشركات الخاصة.‏

وفي عام 1970 كان الحصاد الكبير المخصص لزيادة إنتاج السكر نحو التصدير بمنزلة الاخفاق فاتجه كاسترو نحو تبني النموذج السوفييتي للتخطيط بيد أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وجدت كوبا نفسها معزولة ومحرومة من واردات خيرات الاستهلاك والتجهيز التي كانت تأتي من الاتحاد السوفييتي وفي عام 1993 تم إصدار قانون يسمح بتداول الدولار حتى عام 2004 تاريخ حظره في الجزيرة بعد أن عاد النظام إلى إحكام قبضته على السلطة والمجتمع ولكي تخرج البلاد من عزلتها القاتلة وقعت كوبا في عام 2006 اتفاقا تجاريا مع فنزويلا وبوليفيا في إطار ما يسمى «البديل البوليفاري للأميركيتين» العزيز على قلب هوغو شافيز بيد أن الاقتصاد الكوبي ظل يعاني من شح المواد الاستهلاكية والتجهيزية.‏

وفي حزيران 2006 اعترفت السلطات الكوبية أن 1،7 مليون كوبي لاتصلهم المياه الصالحة للشرب. هناك عدة مدن مثل سانتا كلارا ومانزانيللو وكاماغيواي تفقد مابين 30٪ إلى 40٪ من المياه المخصصة لها بسبب تسرب المياه من شبكة القنوات المهترئة وخلال مؤتمر للأمم المتحدة عقد في هافانا عام 2005 اعترفت الحكومة بعجز بنحو 500000 مسكن وأن نصف السكن العقاري الموجود هو في حالة يرثى لها.‏

وتعاني كوبا من ثقل المديونية الخارجية وحسب تقديرات الخبراء الروس تصل ديون كوبا تجاه الاتحاد السوفييتي السابق نحو 27 مليار دولار وهو الرقم الذي تعارضه هافانا. ولم يأت أي عرض من موسكو لتخفيف هذه الديون ولا أي تلميح «على الطريقة الفيتنامية» التي سمحت لهانوي بإعفائها بنحو 85٪ من ديونها الخارجية تجاه موسكو المقدرة بنحو 11 مليار دولار في عام 2000.‏

ومع مجيء الرئيس باراك أوباما لم يغير شيئاً في الحصار الشامل المفروض على الشعب الكوبي منذ مايقرب خمسين عاماً رغم أن الأمم المتحدة تعتبره شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية طبقا لاتفاقية جنيف. لايزال هذا الحصار الاقتصادي يأخذ صورا عديدة أبرزها العقوبات الاقتصادية لكل المؤسسات التي تتعامل مع كوبا ومنع كل المؤسسات الأميركية من القيام بتعاملات تجارية مع كوبا وتخطي حدود التعاملات الثنائية بين البلدين لأطراف ثالثة فضلاً عن منع الأميركيين من السفر إلى كوبا.‏

وللسنة العشرين على التوالي ستتقدم هافانا هذا العام بمشروع قرار دولي تحت عنوان «ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد كوبا ولكن بالرغم من إدانة 187 دولة في عام 2010 للحصار الأميركي لكوبا فإن الحظر التجاري على الجزيرة مازال قائماً حيث كبد الاقتصاد الكوبي خسائر بلغت نحو 975 مليار دولار علماً بأن ذلك لايعد إلا جزءاً من التكاليف الأخرى غير الإنسانية الناتجة عن هذا الحصار. وخلال مؤتمر صحافي عقده يوم الجمعة 15 تشرين الأول 2011 في موازاة استعداد حكومة بلاده لتقديم مشروع القرار الدولي الجديد ضد الحصار قدم السفير الكوبي في لبنان مانويل سيرانو أكوستا حصيلة بالخسائر المباشرة للحصار الأميركي على كوبا وانعكاساته على كافة المستويات الاجتماعية وخصوصاً في القطاع الصحي وأشار سيرانو أكوستا إلى أن الحصار الأميركي أثر بشكل مباشر على برامج «من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا» في كوبا بعدما صادرت الولايات المتحدة أربعة ملايين و207 آلاف دولار كانت مخصصة لعمل الصندوق في كوبا كما أدى الحصار إلى شلل تام في حملات علاج بعض الأمراض حيث يعجز قسم سرطان الأطفال في معهد الأورام وعلم الأحياء الإشعاعي عن تقديم العلاجات الوقائية أو الوظيفية للأطفال والشباب المصابين بالأورام الخبيثة في العظام بسبب احتكار الولايات المتحدة لتجارة بعض الأجزاء الطبية المستخدمة في علاج هذه الأمراض.‏

وأضاف سيرانو أكوستا أن اصرار واشنطن على تعقب الشركات التي «تخرق الحصار الأميركي» أوقف حركة التجارة كليا من وإلى كوبا وكان من أبرز العقوبات الأميركية لهذه الشركات تغريم مصرف آيه بي أن أمرو الهولندي 500 مليون دولار وتغريم مصرف باركليز البريطاني 298 مليون دولار وتغريم مصرف «جي بي مورغان تشيس» 88 مليون دولار (صحيفة السفير 15/10/2011).‏

ومن الواضح أن آفاق انفتاح البلاد التي تمتلك امكانيات قوية من النفط والسياحة تثير شهية الشركات الأجنبية ولاسيما الأميركية منها على الرغم من الحظر المفروض من واشنطن وهو الأمر الذي دفع بالمسؤولين الكوبيين إلى وضع معالم إصلاح اقتصادي للنظام يرتكز على ثلاثة مصادر رئيسية للحصول على العملة الصعبة وهي السياحة وتحويلات عائدات الكوبيين المنفيين في الولايات المتحدة الأميركية إلى عائلاتهم وكذلك أيضاً الاستثمارات الأجنبية التي بدأت تتدفق على الجزيرة منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي وقد أسهمت هذه المصادر الثلاثة في صمود كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومكنتها من إيجاد هامش من المناورة النسبية بحصولها على معدل نمو يقدر مابين 5،5٪ و8٪ حسب تحليل الخبراء.‏

كاتب تونسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية