فحين تتوافر عناصرها تستوي أشكال التفكير وصور التعبير على ما يلامس الكرامة بأحاسيس مدركة وموضوعية وحقوقية.
وحين تغيب هذه الإرادة من ملكوت الفرد والوطن تنفتح الأبواب للرياح التي تقتلع ما بطريقها، فتدول دولة الناس ويسقط التاريخ بأيدي الآخر الذي لا هم له سوى اسقاط الوطن والتاريخ.
وعليه تصبح الفكرة الجديدة وإرادة تحقيقها عنصري التاريخ ومنهما تتكون عقيدة المجتمع الجامعة وطالما دخلت الأمم في تاريخها الجديد عبر فكرتها الجديدة وإرادتها فيها.
وكذلك خرجت من التاريخ عندما افتقدت فكرتها وإرادتها ودخلت في الحوض الآسن للآخر المتربص.
وتاريخنا العربي فيه شواهده وبراهينه على هذه المسألة إذ نتذكر العرب قبل الإسلام كيف جمعتهم فكرة الخطر الواحد ضد الأحباش والساسانيين والروم وكيف جمعتهم الفكرة الإسلامية وكيف فرقهم زوال الفكرة ودخول عناصر الضعف والفرقة وفقدان العقيدة الجامعة فخسروا تاريخهم من الأندلس إلى بغداد ودخلوا في عصور من التقهقر إلى أن دخل التتار 1258 م، حتى العثمانيين والأوروبيين والصهاينة واليوم ليس لهم الوجود الواحد رغم ما يجمعهم في مصير واحد.
وإذا كانت الحياة العربية قد فرض عليها الخروج من تاريخ الفكرة والإرادة أن تعيش ضمن معادلات ثنائية متعددة (القطري، والقومي، الأصالة والمعاصرة، الدولة والأمة، التخلف والتقدم، التبعية والاستقلال، التجزئة والوحدة). وما يزيد عليها من اختلاف أشكال النظم السياسية واختلاف صور التقدم الاجتماعي فإن ذلك كله يجعل مركب الحياة السياسية عند العرب لا يؤسس لبناء عربي وحدوي عبر الجامعة العربية التي تعمل غربية وعبر القمة العربية التي عملت غربية وهاهم الغرب اليوم يصدرون لنا الربيع باعتبار الغرب يعيش في ربيع دائم وحقوق إنسان مستدامة رغم ما فيه من مظاهرات تدعو لاحتلال وول ستريت وجميع بورصات أوروبا لكنه يبقى عند الذين مرروا سايكس بيكو، ووعد بلفور واحتلال فلسطين وضرب التوحد العربي أو التقارب العربي والموافقة على الارتهان للغرب الصهيو إمبريالي بوجه كامل، يبقى عندهم هو المرجع والموئل ومصدر الحماية.
ومن الطبيعي من رهن سيادته الوطنية للغرب الصهيو امبريالي ألا تهمه أي دولة عربية تطرح المقاومة نهجاً لها ومنهجاً وأن يجري وراء الأوامر الآتية من مرجعيته الغرب امبريالية، ومن هذا السبيل تستهدف سورية ولا يراد لها أن تنجز أي إصلاحات في الدولة والمجتمع لأن المطلوب تدمير الدولة الوطنية العربية والتمكين للمشروع الصهيو أميركي في المنطقة العربية عبر حقوق الإنسان المزعومة وحماية المدنيين ومقاومة تسلط السلطة وعلى هذا الأساس يتم الضغط على سورية، وتجنيد ماكينة إعلامية تضليلية وتجييشية ضدها.
ومنذ بداية الأحداث في سورية طرحت الدولة مشروعها الإصلاحي عبر مراسيم الأحزاب والإعلام والانتخابات وإلغاء حالة الطوارئ ومحكمة أمن الدولة.
وفي هذا الأسبوع صدر القرار بتشكيل لجنة إعداد مشروع دستور جديد يعلن عن مباشرة قيام الجمهورية الثالثة في هذا البلد العربي الذي يتمسك بالفكرة الجديدة والإرادة الوطنية والقومية وبقيم الاستقلال والسيادة.
وبالدستور الجديد سيدخل بلدنا دائرة الديمقراطية الدستورية على الحالة التي تلبي فيها طموحات المستقبل وآمال القوة والازدهار الاقتصادي والمعيشي لشعبنا العربي السوري الأبي.
وسيبقى ماثلاً للعيان أمام السوريين أن الذي قد أنشأ المشروع الصهيوني على أرض فلسطين واستتبع ذلك باحتلال الجولان والأراضي العربية الأخرى ويظهر حرصه المتواصل على حماية الكيان العنصري الاستيطاني «إسرائيل» لا يمكن أن يساهم بإدخال العرب مجتمع الديمقراطية، لأن ذلك يعني إعطاء الشعب حرية القول والعمل من أجل تحرير ترابه المحتل، وكل مافي الأمر أنهم باسم الربيع يدخلون العرب بمناخ التصحر الذي لن يجدوا فيه سوى الرمال المتحركة وإرهاصات الغرق فيها على الدوام، ومن هنا سنجد أن تونس لم تدخل الربيع، ثم مصر بدؤوا فيها الحرب بين الأقباط والمسلمين كيلا تنجز مرحلة الانتقال إلى الثورة بالمفهوم العلمي والاجتماعي.
وهذه ليبيا وقد قسموها وشرعوا يتحاصصون كعكتها البترولية وغير البترولية، يأمرونها باتخاذ قرارات سحب السفارة من البلد العربي المستهدف وكأنها لا تملك من قرارها الوطني السيادي شيئاً.
ومع كل ما وصل إليه الحال العربي من تمزق عقابيله خطيرة على الوجود العربي الواحد والمصير ننظر إلى نصف العالم المتمثل بدول البريكس (روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) وإلى النمور الآسيوية ودول أميركا الجنوبية كيف تفهموا المخطط الذي يستهدف العرب وخاصة سورية ويعملون من أجل استعادة توازن القرار الدولي بإنهاء عصر الأحادية والهيمنة على القرار الدولي حتى يدخل العالم النظام الدولي الجديد القائم على التعددية القطبية. والطريف أن هذا العالم يتحقق الآن من البوابة السورية ويظهر سورية الجديدة وطناً أقوى بجمهوريته الثالثة.