وللعداوة مواصفاتها أيضاً، وتبدو المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة مزدوجة فبالإضافة إلى الحديث عن مصالحها الخاصة كمعيار لسياساتها في منطقتنا فإنها تصر على أن تأخذ إسرائيل في حضنها وأن تعبر بصراحة عن التزامها بما تسميه أمن إسرائيل وأن تعتبر أمن إسرائيل جزءاً من الأمن الأميركي أو هو الأمن الأميركي عينه رغم أنها تعرف جيداً حالة العداء القائمة بين العرب وإسرائيل بسبب اغتصاب الصهاينة لأراضي وحقوق العرب وبالتالي فهي تدرك النتيجة المنطقية المترتبة على انحيازها لإسرائيل والمتمثلة في استعداء العرب.
حين تتحدث الإدارة الأميركية عما تسميها بالمصالح الأميركية في بلادنا فمن حقنا التساؤل عن حقيقة هذه المصالح وهل تتفق مع مصالحنا أم تتناقض معها؟ ولاشك أن الناس في بلادنا يميزون بين أنواع المصالح فهناك أولا مصالح الامبريالية في استغلال الآخرين وهناك ثانيا ما يمكن أن توصف بالمصالح المشتركة أو المتبادلة لكننا نسمع عن مصالح أميركا ولا نسمع شيئاً عن المصالح المشتركة أو المتبادلة وشتان بين الحالتين، ولقد طالعتنا بعض التقارير المدونة في أميركا عن تفسير للسلوك الأميركي في ليبيا مثلا فتبين منها أن هدف أميركا هو استبعاد الصين من إفريقيا لصالح الاحتكارات الأميركية بينما تتحدث تقارير أخرى عن أهمية خطوط النفط والغاز التي يمكن أن تمر عبر الأراضي السورية في تفسير التآمر الأميركي على سورية، ومع ذلك فإننا نرجح أن استهداف سورية لايعود لأسباب اقتصادية بقدر ماهو خدمة أميركية للاستراتيجية العدوانية التوسعية الصهيونية.
وحين تتحدث الإدارات الأميركية وبلا أدنى مواربة عن التزام أميركا بما تسميه أمن إسرائيل فإن هذا يعني الكثير بالنسبة للعرب، ذلك أن مفهوم أمن إسرائيل في الواقع هو أوسع بكثير مما يوحي به هذا التعبير، فأمن إسرائيل يعني مواصلة احتلال الأراضي العربية، وأمن إسرائيل يعني استمرار التوسع الاستيطاني الاسرائيلي، وأمن إسرائيل يعني احتلال المزيد من الأراضي العربية وتشريد المزيد من العرب، وأمن إسرائيل يعني إسرائيل الكبرى بين الفرات والنيل، وأمن إسرائيل يعني حرمان العرب من الأمن والأمان والالتزام الأميركي بأمن إسرائيل يعني عمليا توفير مظلة أميركية دائمة لسياسة العدوان والتوسع الإسرائيلية ما يجعل الولايات المتحدة شريكا لإسرائيل في معاداة العرب واغتصاب حقوقهم والاعتداء عليهم وتقتيلهم وتشريدهم وبالتالي فإن التزام أميركا بأمن إسرائيل يعني أنها تختار العداء السافر للعرب حيث إن أمن إسرائيل لن يتحقق إلا على حساب أمن العرب وما هو أكثر من الأمن أي الوجود.
وبين حديث واشنطن عن مصالحها وبين تحالف واشنطن مع الكيان الصهيوني الدخيل المصطنع العدواني العنصري التوسعي يأتي السلوك الأميركي المتمثل بإثارة الفتن أو ما تسميها واشنطن بالفوضى الخلاقة ومحاولة واشنطن لاحتواء الأوضاع في الوطن العربي ومحيطه الإسلامي بما يمكن واشنطن من الإمساك بالفئات الحاكمة والتحكم بالسياسات ليعبر عن محاولة لفرض أشكال الوصاية والانتداب الاستعمارية على المنطقة وكأن هناك مشروعاً جديداً لإحياء الهيمنة الاستعمارية في بلادنا، ومن الطبيعي أن تستثير هذه السياسة ردود الفعل المعاكسة أو بالأحرى المقاومة التي ترفض الهيمنة الأميركية من جهة وتتصدى للخطر الصهيوني من جهة ثانية.
إن جماهيرنا تدرك جيداً بأن الولايات المتحدة تحاول تحت ستار الادعاء باهتمامها بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أن تصادر حريتنا واخضاعنا للهيمنة الأميركية المباشرة وفرض أوضاع في المنطقة تمكن الكيان الصهيوني من الإمساك بمقدراتنا باعتباره إحدى أدوات الامبريالية الأميركية التي أوجدت للعب هذا الدور بالذات.
إن ما نشهده الآن من محاولات أميركية محمومة للعبث بمقدراتنا هو في التحليل النهائي جزء من حرب شاملة تشن علينا وتبدأ هذه الحرب بمحاولة أخذنا من الداخل وإضعاف قوانا تمهيداً لخطوات لاحقة تتضمن التدخل الخارجي السافر في شؤوننا، وقد يتخذ هذا التدخل شكل العدوان المسلح تحت لواء حلف الأطلسي كما هو الحال في ليبيا وقد يتخذ شكل عدوان صهيوني يكون مدعوما بالمساندة الأميركية الأطلسية مثلما تلوح بعض المصادر.
إن ما يحدث الآن لايمكن تفسيره إلا على أساس التصور القائل بأن واشنطن تسعى لتهيئة المسرح الاستراتيجي في المنطقة بما يخدم الاستراتيجية الصهيونية بالذات، وهذه الخطة بدأ تنفيذها عملياً منذ أن تولى جورج بوش الابن الرئاسة الأميركية، ويتابع أوباما تنفيذها، فقد استهدف بوش إخراج العراق من دائرة الصراع العربي- الصهيوني من خلال احتلاله بالقوة عام 2003 حتى لا يكون عمقاً استراتيجياً لسورية أو جسراً مفتوحاً لمدد ايراني محتمل للجبهة الشمالية في حالة الحرب مع إسرائيل، وفي سياق هذه السياسة جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 على أيدي المخابرات الأميركية والإسرائيلية وتوجيه الاتهامات الكاذبة أولا لسورية ثم بعد ذلك للمقاومة اللبنانية، وفي هذا السياق جاءت محاولة القضاء على المقاومة اللبنانية عام 2006 كما جاءت محاولات الوقيعة بين العرب وإيران. ومن الواضح أن العام 2011 يشهد محاولات امبريالية مكثفة للتلاعب بالأوضاع في المنطقة العربية وإثارة القلاقل والمشاكل فيها ما ينبىء بوجود نوايا عدوانية صهيونية تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالتمهيد لها بدلاً من أن تنحاز واشنطن لقضية السلام الشامل والعادل في المنطقة والذي يبدأ بتلبية حقوق شعب فلسطين.