تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تشكيل...في ذكرى رحيل الفنان محمود جلال..الدور الريادي في الرسـم والنحت..

ثقافة
الثلاثاء 30-10-2018
أديب مخزوم

تمرالذكرى السنوية لرحيل الفنان الرائد محمود جلال (1911 - 1975) وتبقى نصبه وتماثيله ولوحاته قادرة على البقاء والديمومة والاستمرار،

‏‏

في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، فأعماله الريادية في الرسم والنحت, وبتقنياتهما المختلفة تشكل مدخلاً للتعرف على مراحل تطور تجربة فنان رائد، أراد منذ ثلاثينات القرن الماضي، أن ينتهج لنفسه أسلوباً فنياً رصيناً، يحمل إلى جانب نفحاته المحلية موقفاً إيجابياً من الواقعية.‏‏

‏‏

فمنذ البداية أظهر ميلاً لإظهار الدقة الواقعية والنمنمة التفصيلية، ومنذ البداية كان يمضي أوقاتا طويلة في الرسم والرسم، وخلال فترة دراسته الأكاديمية في إيطاليا, اكتشف أسرار التقنيات, وكان يركز لإظهار الصياغة الرصينة التي تتعامل مع اللمسة الماهرة والنسب والظلال كعناصر أساسية في التأليف والتكوين، وبعد عودته الى سورية برز كفنان طليعي،, واظهر براعة أدائية ملفتة وانطلاقة متينة في الرسم والنحت الواقعي، ويمكن اعتبار لمساته التي جسد من خلالها المشاهد الواقعية والحياة الريفية, خطوة متطورة رسخت أعمدة وركائز الاتجاه الواقعي.‏‏

دعائم الواقعية‏‏

وعلى هذا أطل كصاحب دور ريادي، وساهم في تثبيت دعائم المرحلة التأسيسية، بعدما أثمرت تجربته حوارات ثقافية، أثرت على أجيال من الفنانين، الذين تأثروا بصياغاته النحتية والتصويرية الماهرة والواثقة، ولقد كان لها أكثر من ردة فعل ساهمت في تحقيق خطوات اليقظة، التي انعشت الحياة الفنية السورية، وكرست هواجس التواصل بين الموروث التراثي والشعبي.‏‏

وأعماله الموزعة في الساحات والمتاحف وداخل مجموعات فنية في الداخل والخارج يمكن اعتبارها بمنزلة تحف فنية فريدة من نوعها تحفظ خصوصيات التراث المحلي، الذي جسده بلمسات رصينة لا تذهب إلى ذاتية جامحة، بل تعمل على إيجاد توازنات منطقية بين الوعي والعاطفة، ولذلك فأعماله اتجهت في جميع مراحلها لإظهار جسد الإيقاع المتوازن والمدروس، وهي في النهاية يحمل بطاقة الانتساب إلى روح اللوحة والمنحوتة السورية الواقعية، التي تحفظ خصوصيات الموضوعات كرؤية مترسخة في الذاكرة والقلب معاً.‏‏

ومن المفيد الكشف عن أجواء الحياة الفنية التي وجد نفسه فيها، وإلى تجارب الرواد الأوائل في التشكيل السوري في تلك المرحلة، فدمشق في العشرينات والثلاثينات كانت تحتضن الأعمال الفنية المستوحاة من أمجاد التاريخ العربي، ومواضيع الوجوه والمناظر والطبيعة الصامتة، المرسومة بدقة واقعية معاكسة لحركة التحرير الفني، في الجو الباريسي، التي كانت قد شارفت النضج، من خلال التجارب الانطباعية والتكعيبية والتعبيرية والوحشية والتجريدية.‏‏

بإشراف سيفيرو‏‏

زيارة محمود جلال إلى العاصمة الإيطالية التي مكث فيها ما بين عامي 1934 و 1939 ودرس خلالها الفن في أكاديمية الفنون الجميلة بإشراف الفنان سيفيرو, كانت المؤثر الأول في ظهور نزعة استلهام تقنية الرسم الواقعي، التي اتبعها حين رسم الوجوه والمواضيع الشعبية وأجواء العمارة المحلية ومشاهد الحياة الريفية, وفي مرحلة بداية تبلور تجربة جلال كان طموحه مركزاً نحو تسجيل لوحات ومنحوتات واقعية مجسدة بروح محلية، تحقق اسلوبه الذاتي، في محاولة للابتعاد عن مميزات وخصوصيات التجارب التسجيلية الوصفية، التي كانت سائدة في تجارب معظم الرواد الأوائل.‏‏

محمود جلال شأنه شأن بقية الرواد الأوائل كان يرفض اتجاهات الحداثة الفنية الأوروبية، في تركيزه على مبدأ المنظور العقلاني، الذي ساد الفنون التقليدية، لجهة تركيزه على ايقاعات الرسم والنحت الوقعي.‏‏

وعلى هذا يمكن استشفاف توجه محمود جلال في التماس أسلوب فني يعكس نزعاته وهواجسه التي تعطي الأولوية للمسة اللونية الهادئة، البعيدة عن العواطف والانفعالات, كأنه من خلال استعادته لتقنيات الرسم الكلاسيكي، كان يريد الوصول إلى كلاسيكية جديدة مطابقة لتعاليم المصور الفرنسي دافيد،الذي كان ينصح طلابه بالابتعاد عن العاطفة، أثناء الرسم لأن العاطفة تؤثر على الدقة في رسم التفاصيل.‏‏

نصب الثائر العربي‏‏

فالبحث عن حقيقة جديد فن الرائد المؤسس محمود جلال يستدعي العودة إلى أجواء لوحاته، التي تجسد إيقاعات الشكل والتفاصيل الدقيقة وتتعامل مع الأنوار والظلال وإيقاعات التناسب، كعناصر أساسية في التكوين والـتأليف في خطوات الوصول إلى القيم الجمالية المحلية التي كانت قيماً نهضوية جديدة ولها علاقة في احيان كثيرة بالجوانب الوطنية.‏‏

ولقد طرح من خلاله أعمله، أمام المشاهد جمالية الأسلوب الكلاسيكي والواقعي، الذي أعطى أعماله قدرة التنويع في تجسيد الأشكال المختلفة، في أعماله التصويرية والنحتية (فراغية وجدارية).‏‏

هكذا اتجه بلوحاته ومنحوتاته لإبراز الدقة لجهة الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة, وضمن منهجية نظامية صارمة, بعيدة عن العواطف والانفعالات الآنية, وهذا ما يجعلنا نشعر أننا أمام صياغة فنية مرتبطة بفن عقلاني موزون ومنضبط ومدروس.‏‏

وقد يكون أحد أكثر الفنانين السوريين الرواد، الذين تفاعلوا مع مواضيع الحياة العامة، ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى نصبه (الثائر العربي) الموجود بجانب مبني اتحاد الفلاحين في دمشق، وفي لوحاته ومنحوتاته, نلمس وبوضوح مؤشرات التفاعل مع مواضيع الحياة الريفية (لوحة الراعي على سبيل المثال, ولوحة صانعة أطباق القش وغيرهما) ولقد غذت تأملاته لمظاهر الحياة الشعبية تنقلاته مع أسرته في عدة مدن سورية، الشيء الذي أغني بحوثه وحساسيته البصرية والروحية.‏‏

ومن الناحية الفنية كان يضفي على المشهد المعماري إيقاعات ضوئية باهرة، وبذلك كان يستعيد في أكثرية لوحاته، القيم التصويرية الطليعية, التي ساهمت في إضفاء نقطة تحول، على الحركة التشكيلية السورية، منذ مطلع الاربعينات، وحدد مع بعض الفنانين الرواد الأوائل ملامح المرحلة التأسيسية للفن الواقعي في سورية، وهو من المساهمين في تأسيس كلية الفنون الجميلة، وألقى البيان التأسيسي لنقابة الفنون الجميلة، ومنح وسام الأستحقاق السوري من الدرجة الأولى، قبل أربع سنوات من رحيله، ولقد أطلق أسمه على احدى المدارس الثانوية، حتى يبقى بأعماله الفنية، في ذاكرة الأجيال المتعاقبة.‏‏

facebook.com adib.makhzoum‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية