ولعل هذا المثل يشرح ببساطة أساس الأزمة المالية التي عصفت ومازالت تعصف بالولايات المتحدة فأميركا التي بلغت مديونيتها 14300 مليار دولار التي تنفق يومياً 200 مليار دولار أكثر من ايراداتها سجلت مفارقة أخرى هي أن احتياطها الآن الذي لايتجاوز 73،3 مليار دولار هو أقل من رأسمال شركة آبل للبرمجيات الذي وصل إلى 76،4 مليار دولار مايعني أن شركة عملاقة رمزياً هي أقوى ثقة من أميركا نفسها.
في الواقع أن أزمة واشنطن ليست بجديدة وهي انعكاس لسياسات داخلية وخارجية لا تستطيع تخطيها في ظل قيادتها للنظام العالمي حالياً، فلها حالياً 750 قاعدة عسكرية حول العالم وهي تنفق المساعدات المالية والاقتصادية «المشروطة» من دون رصيد سياسي قابل للصرف الاستثماري المالي بل جله سلف سياسية مسبقة الدفع رصيده تأمين السمع والطاعة في ظروف دولية ينهشها العوز والاتكال على برامج المساعدات التي غالباً ما تدفع من جيوب الدول الثرية لامن جيوبها لكن بإرادتها ولحسابها الخاص.
من المتشائمين مستشار الأمن القومي السابق بريجنسكي الذي نبه إلى خطورة تفاوت الدخل بين الأغنياء والفقراء وتراجع الطبقة الوسطى بما يهدد بوقوع اضطرابات اجتماعية حيث قال:« سننزلق إلى صراعات اجتماعية حادة وعداوات اجتماعية وبعض أشكال التطرف سيسود شعور بأن هذا المجتمع ليس مجتمعاً عادلاً» ويأتي كلام بريجنسكي قبل اقرار الكونغرس خطة رفع سقف الدين بزيادة 4،2 تريليون دولار على مراحل حتى نهاية العام 2012 وقد يستمر الاقتراض حتى العام 2013 أي إلى مابعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لماذا رفع سقف الدين العام؟! إنه من أجل الانفاق على قطاعات اقتصادية واجتماعية بعد ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من تسعة في المئة. ملايين الأميركيين تأثروا سلباً بمعدلات ارتفاع البطالة في الوقت الذي استعادت المصارف المساكن من المقترضين إنها تريد الأمان الوظيفي أو هي نتيجة واحدة من نتائج الأزمة المالية والاقتصادية التي انطلقت من الولايات المتحدة وعمت العالم منذ العام 2007، الإدارة الأميركية فضلت الاقتراض لمعالجة هذا الواقع بدلاً من فرض ضرائب جديدة حيث لاضرائب إضافية على قطاع الأعمال الكبيرة وعلى الخمسة في المئة الأكثر ثراء بين الأميركيين.
إن رفع سقف الدين العام بالتزامن مع خفض أولي للنفقات بمقدار ألف مليار دولار يطرح سؤالاً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً: ماذا سيحل بالدورة الاقتصادية إذا ما تراجعت القدرة على الإنفاق في الداخل الأميركي؟ ألا يسبب هذا الأمر نوعاً من الركود المالي والاقتصادي؟
إن تراجع الانفاق يؤثر سلباً في حجم الإنتاج وتراجع الإنتاج يزيد بدوره من الأزمة المالية والاقتصادية ويترك نتائج اجتماعية سلبية من مظاهرها ارتفاع معدل البطالة.
قد تضطر الإدارة الأميركية إلى تقليص نفقات الدفاع وهي الأعلى في العالم حيث وصلت إلى أكثر من 700 مليار دولار سنوياً لابد من الإشارة إلى وجود مئات من القواعد العسكرية الأميركية حول العالم وفي خدمتها أكثر من خمسمائة ألف جندي ولابد من التوقف عند نتائج حربي العراق وأفغانستان على الاقتصاد الأميركي.
بالطبع، ثمة منافذ للإدارة الأميركية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية في الاقتصاد العالمي فهناك مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى حيث تتبوأ الولايات المتحدة مركز الصدارة والقيادة ما يمكنها من توجيه النظام العالمي بما يخدم مصالحها، هذا على الرغم من استمرار الأزمة العالمية وما تحمل من مفاعيل مالية واقتصادية واجتماعية في أوروبا ومناطق العالم، أخذت تتضح وقائعها في اليونان واسبانيا والبرتغال وايرلندا وغيرها من الدول.
تقاس الدول باقتصادياتها واستثماراتها لكن ذلك مرهون بفعاليتها في المستويين الاقليمي والدولي الولايات المتحدة تعاني اليوم من مجموعة استحقاقات داهمة تتطلب جهداً استثنائياً للخروج منها المهم أننا في الدول النامية ومنها نحن العرب أيضاً كيف يمكن لنا الاستفادة من هذه الأوضاع لتحسين مواقعنا على الخريطة السياسية الدولية؟ وهل بمقدورنا استثمار تلك الأزمات أم سيكون الحل مثلما سبق على حساب أموالنا واستثماراتنا في المصارف الأميركية وغيرها؟ ربما أسئلة حرجة لكن ينبغي رفع الصوت والجهر بها.