وأفردت لها وسائل الإعلام والصحافة بالتحديد عناوين بارزة طوال هذا الأسبوع ،وقد أجمعت تحليلات الصحف الإسرائيلية على أن العملية تمثل خضوعا لمطالب حماس ، وان العملية تشبه إلى حد كبير العمليات السابقة التي جرت مع القيادة العامة عامة1985والعمليات التي جرت مع حزب الله ، حين استطاع الطرف المقابل كسر المعايير التي وضعتها الحكومات الإسرائيلية وخضعت في نهاية المطاف لمعايير حماس وحزب الله :«صفقة جبريل الأولى في العام 1983 أدت إلى تحرير 4.765 (مخرب) مقابل ستة جنود. في صفقة جبريل الثانية في العام 1985 أعيد إلى إسرائيل ثلاثة جنود مقابل 1.150( مخرباً) بينهم كوزو اكوموتو واحمد ياسين. في العام 2003 تحرر 400 (مخرب) مقابل مواطن إسرائيلي واحد، الحنان تننباوم، تاجر مخدرات تورط في الديون واختطف إلى لبنان.في كل تلك الصفقات كررت القصة نفسها. العائلة ضغطت، الجمهور انضم، وسائل الإعلام انضمت بقدر أكبر بكثير، والحكومة انكسرت». على حد تعبير اليكس فيشمان في يديعوت احرنوت .
قانون شاليط
ويذكر أن حكومة نتنياهو كانت قد أقرت قانونا اسمته «قانون شاليط» وذلك بهدف الضغط على المقاومة من خلال الضغط على الأسرى والمعتقلين على أساس سحب الكثير من حقوقهم والتضييق عليهم ، ومواصلة سياسة العزل الانفرادي والجماعي ومنعهم من زيارة ذويهم لفترات امتدت أكثر من عشر سنوات إلى جانب منعهم من مواصلة تحصيلهم الأكاديمي عندما تم سحب المواد التعليمية والأكاديمية، علاوة على اتخاذ المزيد من الإجراءات التعسفية التي تثقل من معاناتهم. المحلل السياسي لصحيفة هآرتس عكيفا إلدار، كتب تحت عنوان «تحرير شاليط القادم» ضد محاولات بعض أعضاء الكنيست من اليمين الإسرائيلي، التقدم بمشروع قانون سيطلق عليه «قانون شاليط» ويهدف إلى ما وصف بتحديد ثمن لتبادل الأسرى، مستقبلا ويقضي بأن تتم مبادلة رأس برأس فقط، بمعنى أن لا تطلق إسرائيل سراح أكثر من أسير فلسطيني، مقابل كل أسير إسرائيلي، إلدار يقول لو كان هذا القانون نافذا لعاد جلعاد شاليط بتابوت مقابل بضعة أسرى فلسطينيين، مشيرا إلى أن إقرار مثل هذا القانون هو بمثابة حكم بالإعدام على شاليط القادم.
وقد جاءت صفقة شاليط في وقت يخوض فيه الأسرى والمعتقلون إضرابا عن الطعام احتجاجا على أوضاعهم التي ازدادت سوءا مؤخرا، وتقول مصادر إسرائيلية إن إضراب الأسرى الفلسطينيين والحالة التي أوجدها هذا الاضطراب في أوساط الشعب الفلسطيني قد ساهم إلى حد بعيد في تسريع التوصل إلى إنجاز الصفقة التي تضمنت كما تقول مصادر في حماس الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين ، وبذلك يبقى الأسرى والمعتقلون في السجون الإسرائيلية احد أهم العوامل المحركة في الحركة الوطنية الفلسطينية على حد تعبير هآرتس.
مفاوضات شاقة
وكانت حكومة نتنياهو قد صادقت بأغلبية ساحقة على صفقة تبادل الأسرى التى ضمت 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل الإفراج عن الجندى الأسير لدى حركة حماس «جلعاد شاليط». وأوضحت الإذاعة العامة الإسرائيلية أن 26 من وزراء الحكومة صوتوا لصالح الصفقة وعارضها 3 هم وزراء الخارجية «أفيجدور ليبرمان» ووزير البنية التحتية «عوزى لانداو» والوزير «موشيه يعلون»، بينما دعم الصفقة رئيس جهاز الأمن العام الداخلى «الشاباك» ورئيس جهاز الموساد ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلى. وقال نتانياهو:« إن هذه الصفقة هي الأفضل التى كان بالإمكان التوصل إليها فى هذه الفترة بالذات». وأكد نتانياهو أن الحكومة الإسرائيلية خاضت مفاوضات شاقة ومستمرة وبوساطة ألمانية لإتمام صفقة الجندى الأسير لدرء حركة حماس «جلعاد شاليط» ، مثنيا فى الوقت نفسه على الجهود المصرية لإتمام تلك الصفقة.وأضاف نتانياهو خلال تصريحات صحفية له نقلتها صحيفة يديعوت أحرونوت» تم الاتفاق على صيغة أولية للصفقة، واليوم جرى التوقيع النهائي للصفقة»، مضيفا «خلال الفترة الأخيرة وقع على التزام كبير لإعادة شاليط إلى والديه، ولقد رأيت أن هذه الفرصة قد لا تعود مرة أخرى، بعد أن فشلت جميع الطرق والوسائل الممكنة لإطلاق سراحه».
تداعيات خطيرة
وكشفت يديعوت احرنوت أن صفقة تبادل الأسرى ستجرى على مرحلتين، الأولى منها تم إطلاق 450 أسيرا فلسطينيا مقابل نقل شاليط إلى مصر من مكان اعتقاله، وفى المرحلة الثانية سيتم إطلاق 550 سجينا مقابل اطلاق شاليط.
وفي وقت يحاول الكثير من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين التقليل من أهمية التداعيات التي ستتركها صفقة التبادل على الداخل الإسرائيلي ، بشن اليمين الإسرائيلي داخل حكومة نتنياهو وخارجها حملة تحريض ضد المحررين ويعتبرون أن وجودهم بين أهلهم وذويهم يشكل خطرا أمنيا محدقا على الكيان.
في سياق تناولها لما أسمته «مدى خطورة الأسرى المحررين»، والتي ستطرح اليوم في المحكمة العليا، كتبت صحيفة «هآرتس» أنه إلى جانب التقديرات الأمنية التي تشير إلى إمكانية قدرة الأجهزة الأمنية على إطلاق سراح أسرى إلى الضفة الغربية، فإن تقديرات أخرى تحذر من مخاطر أمنية من شأنها أن تمس بالتنسيق الأمني وأن تؤدي إلى تجدد الإرهاب اليهودي. أن رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين، كان قد ادعى في كانون الأول/ ديسمبر 2009 أن إطلاق سراح أعداد كبيرة من الأسرى إلى الضفة الغربية يمس بشكل خطير بأمن الإسرائيليين، في حين حذر رئيس الموساد السابق مئير دغان من أن صفقة بموجب الشروط التي عرضت في حينه تمثل انتصارا لـ«معسكر المقاومة» في العالم العربي.
إعادة بناء الإرهاب
في المقابل، كتبت الصحيفة إلى أن موقفي رئيس الشاباك والموساد الحاليين مخالف لسابقيهما، مشيرة إلى أن رئيس الموساد الجديد تمير باردو قال في جلسة الحكومة في الأسبوع الماضي أن إسرائيل قوية بما يكفي لإطلاق سراح ألف أسير، في حين قال رئيس الشاباك يورام كوهين إن الأجهزة الأمنية قادرة على مواجهة مستوى المخاطر الناجمة من إطلاق سراح أسرى إلى الضفة الغربية. كما قلل من خطورة الأسرى المحررين والمبعدين إلى قطاع غزة.
وتدعي مصادر أمنية إسرائيلية معارضة للصفقة أن «الأسرى سوف يقومون بإعادة بناء البنى التحتية للإرهاب وذلك لكونهم دخلوا السجون الإسرائيلية ولديهم معرفة معينة وتجربة معينة، والآن يخرجون مع شهادة دكتوراه»، وأن إبعادهم من الضفة الغربية لا يحل المشكلة. وتشير في هذا السياق إلى أن صالح العاروري، الذي أبعدته إسرائيل إلى سورية بعد انتهاء اعتقاله الإداري، يشغل منصبا قياديا في حركة حماس اليوم. كما أشارت الصحيفة إلى عدد من الأسرى الذين سيطلق سراحهم نفذوا عمليات قتل فيها إسرائيليون، والتي تم الرد عليها في حينه، بحسب الشاباك، بعمليات لم يتم الكشف عن منفذيها حتى اليوم، وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن يتجدد «الإرهاب اليهودي» من قبل دوائر كانت تنفذ، قبل الصفقة، عمليات «جباية الثمن».
فشل سياساتنا
تحليلات الصحف الإسرائيلية اتفقت إلى حد بعيد كما ذكرنا أنفا ان الصفقة تعتبر فشلا ذريعا لسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في هذا المجال من حيث خضوعها لشروط الأطراف المقابلة ، فيما اعتبرت تحليلات أخرى ان الصفقة تمثل فشلا استخباراتنا ذريعا من حيث فشل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية حتى في معرفة مكان احتجاز شاليط.
بن كاسبيت اشهر الكتاب الإسرائيليين كتب في معاريف يقول :«شخصيا، عارضت صفقة شاليط لدى نتنياهو ولدى اولمرت على حد سواء. عارضت صفقة تننباوم، عارضت صفقة ريغف – غولدفاسر، بنيامين نتنياهو قال أمس «نعم» لصفقة قال لها ايهود اولمرت «لا». إذ في نهاية اليوم، أمس كان مساء استسلام مساء نزلت فيه إسرائيل على ركبتيها أمام حماس. مساءا فشلت فيه قوة الصمود الإسرائيلية. رقة القلب تغلبت على الصلابة اللازمة في حينا. مساءا عقد فيه خالد مشعل، احمد الجعبري وإسماعيل هنية مهرجانات النصر وعن حق. مساء قال لي فيه مسؤول فلسطيني هاتفيا، بصوت مخنوق «ما العمل، انتم لا تفهمون إلا لغة القوة». مساء تآكل فيه الردع الإسرائيلي حتى سحق. بالضبط مثلما حصل في الهروب من لبنان وفي الخروج أحادي الجانب من غزة. مساء ولد الاختطافات التالية (ورجاء، لا تحاولوا بيعنا استنتاجات لجنة شمغار التي تقول انه من المرة التالية، سيكون الحال مختلفا. حاولوا أن تبيعوا هذا لحماس. هم لن يشتروا. هم سيختطفون).
يشارك ايتان هبارفي يدبعوت احرنوت بن كاسبيت الرأي في فشل حكومة نتنياهو في معالجة قضية شاليط :«بعد ان ينقشع صوت ابتهاج المحتفلين، وبعد ان ينقضي التأثر الأولي وبعد ان يعلن كل طرف في هذا الصراع الدامي الفظيع انتصاره في صفقة شاليط سيحين زمن محاسبة النفس: سيُحرر في الأيام القريبة مئات السجناء المؤبدين والقتلة، وستنكمش دولة إسرائيل في مخاوفها إزاء امكانات أعمال دامية وإرهابية جديدة.
وفشل استخباراتي
الصحفي ناحوم بارنيع، كتب يقول، في هذه الحالة لا يجري الحديث عن مجد من أي نوع، لأن جلعاد شاليط لا يعود الى بيته بعد عملية عسكرية عظيمة، قامت بها وحدة المظليين ولا بعد عملية سرية قام بها «الموساد» أو نتيجة تهديد أخاف خاطفيه وجعلهم يضطرون لتحريره، إنه يعود بعد أن يئس متخذو القرار عندنا من إعادته إلى البيت بطريقة أخرى، إنها صفقة يائسة، صفقة لا خيار، الفرق بينها وبين الصفقة التي رفضها أولمرت غير جوهري، ففي في بند القيادات هي أفضل وفي بند الأسرى من داخل الخط الأخضر أكثر سوءا.
وفي هذا السياق، كتب الوزير السابق تساحي هنغبي، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن قضية شاليط كشفت محدودية قدرات أجهزتنا الاستخبارية، رغم حجم الموارد التي تم استثمارها من أجل العثور على مكان شاليط في غزة لغرض استخدام الخيار العسكري في تحريره، أنا قلق جدا من النتائج البائسة على هذا الصعيد مقابل الجهود الكبيرة التي بذلت.
أما ناحوم بارنيع فيعتبر الصفقة فشلا ذريعا لإسرائيل ومؤسساتها الأمنية:«اضطرت إسرائيل إلى المصالحة والتوقيع على صفقة شاليط لأنها لم يكن لها خيار بديل لحل القضية. ويحتمل بالطبع أن رئيسي الحكومة اللذين توليا مقاليد الأمور زمن الاتصالات وهما اولمرت و نتنياهو، ما كانا ليوافقا على عملية لتخليص جلعاد شاليط خشية أن تنتهي كمحاولة التخليص المرعبة لنحشون فاكسمان في 1994، الى موت المختطف وخسائر في القوة المخلصة. لكن الحقيقة هي ان اولمرت ونتنياهو لم يواجها قط المعضلة لأنهما لم يؤتيا في أي مرحلة من مراحل القضية بخطة عملياتية ذات صلة كان يمكن تنفيذها فورا، ليوافقا عليها.
أكبر الضربات
الحديث هنا، بهذا المعنى عن اخفاق مقلق للأذرع الأمنية. أن «الشباك» هو الذي يتلقى في هذا الشأن أكثر الضربات وهو الذي اعترف قادته بفشلهم في العثور على المعلومات الاستخبارية ذات الصلة. لكن فحصا دقيقا عن أحداث السنين الخمس الأخيرة يدل على أن الجيش الإسرائيلي كان ذا نصيب جوهري في هذا الخلل. «انتهاء قضية شاليط على هذه الصورة يوم حزين للجيش الإسرائيلي»، قال هذا الأسبوع لصحيفة هآرتس العقيد (احتياط) رونين كوهين الذي شغل مناصب رفيعة في «أمان» حتى المدة الأخيرة. يصف كوهين عدم قدرة الجيش على عرض بديل عملياتي لتخليص شاليط بأنه «فشل صارخ. لم يتحمل الجيش قط مسؤولية عن الجندي. طرحوا الأمر ببساطة على «الشباك» .