لا شك أن الكثيرين لا يعرفون هذا الكاتب, ومع ذلك فقد جنى 84 مليون دولار عن رواياته العام المنصرم. وقد اشتهر هذا الروائي وجنى تلك الأموال بفضل رواياته البوليسية وبطله اليكس كروس ونادي قاتل النساء وبعض السلسلات الخاصة بالشباب التي تنتشر بكثرة في المكتبات المتوزعة في العالم. وبهذا فقد ارتفع اسم «السيد جيمس» إلى قمة التصنيف الذي أجرته مجلة فوربس للكتاب الأعلى إيراداً في العالم, وبالتالي فقد قضى على أي تنافس معه على هذا الموقع وتلته في التصنيف الكاتبة دانييل ستيل الملكة الضبابية للرواية الوردية, بإيراد بلغ 35 مليون دولار, وحل بالترتيب الثالث ستيفان كينغ بإيراد قدره 28 مليون دولار. وبعد كل هذا, هناك من يقول إن الأدب ليس رابحاً؟
يسجل الأدباء الأنغلو- ساكسونيين الغالبية الساحقة في أعلى المبيعات. ووفقاً للباحث فريدريك روفيلوا, مؤلف كتاب حديث عن تاريخ كتب أعلى المبيعات, يستثنى من أصل 80 كتاباً بيع منه أكثر من 10 ملايين نسخة منذ عام 1950 فقط بعض الأعمال اليابانية والصينية وثلاثة اسبانية وكتاب أو اثنان سويديان (ميلينيوم) وكتاب واحد برتغالي (الخيميائي). ولم يصل أي كتاب فرنسي لمرتبة أعلى المبيعات. والكتاب الفرنسيون الذي يحظون بشهرة ونجاح لا زالت تفصلهم عن باترسون عشرات الدرجات. ولأن الأرقام هي من المحرمات في عالم الأدب الفرنسي, سوف نعتمد في أرقامنا على تقديرات معهد اديستات وحقوق التأليف الممنوحة لنجوم القلم وهنا نجد أن الكاتبين مارك ليفي وكاترين بانكول حققا أفضل المبيعات لعام 2010، وحصل كل واحد منهما على 1,8 مليون يورو. وتلاهما كل من غيوم موسو وتاتيانا دي روزناي وآنا غافالدا وأميلي نوتومب وجان كريستوف غرانجي و فريد فارغاس. وبفضل روايته (الخارطة والأرض) التي أهلته للحصول على جائزة غونكور لعام 2010 وبيع منها 520 ألف نسخة حقق الروائي الفرنسي ميشيل هويولبيك 1,3 مليون يورو عن الطبعة الفرنسية فقط. وهذا الرقم يتيح له الاختفاء لعدة شهور أو لعدة سنوات عن مسرح الأدب.
وبعيداً جداً عن صورة الشاعر البائس الذي يكتب على ضوء الشموع، يغرم باترسون بأن يظهر أمام منزله الفخم في بالم بيتش. وفي سيرته الذاتية الواردة على موقعه الالكتروني الشخصي نجد أن الوكيل السابق لإعلانات وكالة جي والتر طومبسون والبالغ من العمر حالياً 67 عاماً وصل عدد نسخ كتبه إلى 220 مليون نسخة حالياً (كل رواية من أصل 17 رواية تباع في الولايات المتحدة هي بتوقيع باترسون) ووفق تصنيفات صحيفة نيويورك تايمز هناك 38 عنوان كتاب لباترسون في المرتبة الأولى من المبيعات بالإضافة إلى العشرات من الكتب الرقمية والترجمات له في جميع دول العالم تقريباً. ويتذكر أحد النقاد في مجلة اكسبريس أن باترسون وخلال لقائه معه أخرج من جيبه رسماً بيانياً يشير إلى مؤشر مبيعاته. ومن خلال هذا المنظور لا نستغرب أن تلجأ مجموعة هاشيت الأميركية للحصول على الحق الحصري لنشر 17 كتاباً لباترسون خلال عامي 2009 و 2012 بقيمة 150 مليون دولار. رقم قياسي عالمي بحد ذاته إنما مصدر فخر (جيمس الملياردير) هو ظهوره في حلقة من مسلسل عائلة سيمبسون.
ويصفه لوران لافون مدير دار لاتس أحد ناشريه الفرنسيين بالقول: « إنه نموذج من رجل الكاوبوي الضخم ذي الحركات البطيئة » وقد اعترف له يوماً قائلاً: « إن كان مسلسل تلفزيوني يستطيع اجتذاب المشاهدين كل أسبوع, لا أعرف لماذا لا تستطيع الروايات فعل ذلك.» وهدفه من خلال إصدار تسع أو عشرة روايات في العام هو خلق نوع من (سلسلة باترسون) لا تتوقف البتة.
ويذهب الناشر الفرنسي الآخر لأعمال باترسون دانييل بلفوند, مدير دار أرخبيل, إلى البعيد في قوله: « باترسون لايضفي القدسية على الكتاب, كما نفعل نحن في أوروبا. إنه يريد أن يكون المنافس المباشر لألعاب الفيديو. ولذلك يقوم بكتابة فصول قصيرة لرواياته, حيث يقع الفصل في صفحتين إلى ثلاث صفحات. هدفه كما يعلن هو أن يمنح بضع ساعات من السعادة الفورية إلى قرائه» وقد أنشأ الكاتب, من جهة أخرى مؤسسة تهدف إلى تمويل المشاريع المشجعة على القراءة, ولاسيما لدى فئة الشباب.
لا شيء لدى باترسون متروك للصدفة. إذ وحيث أن الغالبية العظمى من قرائه هم من الجنس اللطيف, فقد عمل على تأنيث مغامرات رواياته. وحين لم يعجبه غلاف ترجمة كتابه الأخير إلى الفرنسية, طلب إضافة لمسات أكثر غموضاً وإبهاماً. ويتذكر الناشرون الأميركيون أنه أشرف على تصميم غلاف أحد رواياته, وهي أول مغامرة لاليكس كروس. ولذلك فقد أطلق موقعاً خاصاً مكرساً لجميع الناشرين في العالم حتى يتمكنوا من تبادل المعلومات بشأن أفضل السبل لخدمة عمله. كما وأطلقت مدرسة هارفارد لإدارة الأعمال ندوة خاصة حول (تقنيات التسويق) لدى باترسون.
لا بد من طرح السؤال التالي: كيف يمكن لكاتب أن يصدر ثماني إلى تسع روايات في العام؟ إنه لا يعمل بمفرده. ويقول عنه لوران لافون: « لأنه مبدع فإنه يضع أسس روايات عديدة في وقت واحد, ومن ثم يوزع العمل على معاونيه». هذا هو السر, إننا أمام ما يشبه (مصنع باترسون). ولكن يعاني ملياردير القلم من مصاعب في أوروبا. ففي الوقت الذي تسجل مبيعات رواياته نسباً عالية في بريطانيا والدانمرك, إلا أنها متواضعة في فرنسا, حيث تتراوح ما بين 3000 و10,000 نسخة لروايات الجيب. أي أقل بمئة مرة عن نسبة المبيعات في الولايات المتحدة. والسبب أن فرنسا تمتلك تقاليد خاصة بها بالروايات البوليسية. ويكتب باترسون الآن رواية بعنوان (قرصان باريس) بالتعاون مع كاتب الروايات البوليسية الفرنسي نويل سيمسولو. إذ ربما يساعد ذلك على جعله أكثر شهرة لدى الفرنسيين فالكاتب الأميركي يبقي عينيه على الخط البياني للمبيعات في فرنسا: «عندما يصبح عدد نسخ كتبي المباعة في فرنسا 100,000 نسخة, سوف أقفز على متن طائرة وأريق الشمبانيا» بهذا القول تحدى أحد ناشريه الفرنسيين...هيا أيها الفرنسيون, فقط قليلاً من الجهد...