اخترت مجالسته بين أقرانه في معهد لتأهيل إعاقات ذوي الاحتياجات الخاصة ورحت أحاوره وأنا - جالسة - كي لايشعر بالفرق ، عن تطلعاته للمستقبل وآماله فيه .. قال لي : انه يحب السفر ويرغب كثيرا فيه ، وبأنه اقتنى من (كدّ يمينه) سيارة حمراء مكشوفة (ماركة قديمة) لهذا الغرض .. سألته باستغراب : ألست صغيراً بعد على الترحال والسفر فأدهشني بقوله : انه يريد ان يطير بجناحي سيارته حول العالم ، لا أن يقبع مثل أقرانه في كرسي متحرك أو يحشر نفسه طوال العمر ضمن عكازين ... هذا الولد الكبير إن صح التعبير استطاع - ربما- الترفع عن إعاقته ، وتجاوز بإرادته - سكون الاعاقة إلى حركة دائبة بفكرة مبتكرة ولكن ما أدهشني فيه اكثر، عندما ودعته ، وعيه للحال الذي آل إليه بسبب فقدانه وهو طفل (إبرة لقاح) ضد شلل الاطفال غفل - ذووه عن تقديمها اليه في الوقت المناسب وبالمناسبة ، والشيء بالشيء لابد أن يذكر ، تذكرت هذا النص عن الملف الضائع لنبيهة محيدلي التي كتب مرة: «بالامس ذهبت مع امي إلى الطبيب لم اكن اشكو من شيء ولكن أمي قالت إنها زيارة عادية دورية ليفحص الطبيب نموّي ، تأخرنا في الدخول ، والسبب أن الموظفة تبحث عن ملفي «أي ملف ؟» سألت امي:
ملّفك الذي فيه معلومات سابقة عنك، وفيه تاريخك الصحي منذ ان كنت صغيرا ياساري.
«ماذا يهمني الآن وقد كبرت ؟» سألت أمي.
كانت امي قلقة ، فقالت : أشرح لك فيما بعد..
وبعد قليل ، وجدت الموظفة الملف، كانت تبحث في المكان الخطأ تحت اسمي الاول وهو كان موضوعاً تحت اسم العائلة.
دخلنا غرفة الطبيب، الذي اعتذر عن التأخير ، وقال: المهم أننا وجدنا ملفك الصحي ياساري.
فتح الطبيب الملف، وراح يقرأ فيه ، ثم قاس طولي ووزني ، وفحص فمي ، وأنفي ، وأذنيّ ، ولساني وسجل ذلك في الملف، قرأ مليا ، ثم قال : تمام ، الوزن متحسن ، كذلك الطول.
سيدتي ، نستطيع القول ان نموَّ ساري منذ ولد حتى الآن يسير سيراً ممتازاً.
نظر الطبيب في جدول اللقاحات أمامه في الملف ، وقال: أعطيناه لقاحاً منذ كان عمره شهرا ، علينا الان ان نعطيه إياه مرة اخرى.
شكة صغيرة وانتهى اللقاح، وانتهت الزيارة تركنا الطبيب يدّون ملاحظاته في الملف وخرجنا كانت أمي مسرورة ، وأنا أيضا خاصة انني عرفت لماذا الملف الذي فيه تاريخي الصحي مهم.