تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قرن من الحروب

آراء
الخميس 27 -10-2011
د. هزوان الوز

استقبل سقوط جدار برلين في نهاية الثمانينات، وانهيار الاتحاد السوفييتي بعده من قبل الكثيرين بالتهليل، باعتبار هذين الحدثين مؤشراً على بروز عصر جديد من السلام والرخاء!!

وذهب بعض المؤلفين مثل فرنسيس فوكوياما إلى اعتبارهما بداية لنهاية التاريخ، وبدا أن العالم كله مقبل على عهدٍ من الانفتاح أمام التعاون الاقتصادي والاستثمار والأفكار الديمقراطية، لقد انهارت الحواجز وفتحت الأبواب، ثم وبعد أقل من عقد من الزمن، أصبح التفاؤل في طي النسيان، وبدأت تبرز على السطح تباشير عالمٍ جديدِ مختلف تماماً.‏‏

وبينما كان الكاتب الأميركي وليم إنغداهل يخط السطور السابقة كمقدمة لكتابه الشهير: قرنٌ من الحروب(ACentury of War)، كان العالم نفسه يغوص في مستنقع من الحروب الدامية التي كان أخطرها الحرب على العراق.‏‏

بدا للعالم بوضوحٍ وبغير تأخير، أن قرار الرئيس «جورج دبليو بوش» شن الحرب على العراق، لم يكن له أدنى صلة بتهديدات الأسلحة ذات التدمير الشامل، كما وبدأ يظهر بوضوحٍ متزايد أن المسعى الأميركي في العراق لم يكن له أي صلة بما أعلن عنه في حينه، وهو نشر الديمقراطية في بلدٍ يرزح تحت نظامٍ استبدادي، ولقد كان في شأن ذلك أن يثير بطبيعة الحال في أذهان الكثيرين التساؤل حول السبب الذي من أجله تعرض الولايات المتحدة لخطر، مصداقيتها وسمعتها، وما يسميه البعض سلطتها المرنة، من أجل هدف يبدو في الظاهر قليل الأهمية.‏‏

كان الجواب على هذا التساؤل مختصراً وبسيطاً، وبعبارة واحدة، إنه من أجل النفط.‏‏

ولكن ليس من أجل النفط بالمعنى البسيط كما اعتقد الكثيرون، إذ إن هذه الحرب على العراق لم تكن مجرد مسألة شركات جشعة وطامعة في النفط فحسب، بل مسألة سلطة، وسلطة جيوسياسية قبل كل شيء.‏‏

فالهدف الحقيقي من الحرب على العراق ارتبط بمسألة تتعلق بالأساس الذي يقوم عليه الأمن القومي الأميركي والسلطة الأميركية في المستقبل، وهو تكريس دورها كقوة عظمى وحيدة مهيمنة على العالم، ومن أجل ذلك، لم يقدم أي واحدٍ من المرشحين الأقوياء للرئاسة بديلاً للاحتلال العسكري الأميركي لحقول النفط الواسعة في منطقة مابين النهرين.‏‏

كان العراق في نظر الصقور من الاستراتيجيين الأميركيين، جزءاً من الأجندة الأميركية لما بعد الحرب الباردة، والمتمثلة في متابعة تحقيق هيمنة عالمية على جميع المستويات.‏‏

يقول إنغداهل: في عام 1904، قدم الجغرافي البريطاني هالفورد ماكيندر سلسلة من الطروحات أمام الجمعية الملكية الجغرافية في لندن تحت عنوان(المحور التاريخي الجغرافي) وبعدما يقرب من القرن، تحدث المستشار الأمني والاستراتيجي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي بإعجاب وتقدير عن أعمال البريطاني ماكيندر ونظريته حول(خفايا السياسات الأوروآسيوية) إن هذه النظرية تشكل الدليل الذي يقود بهدوءٍ وبوضوح الاستراتيجية العالمية الأميركية الآن.‏‏

قرنٌ من الحرب إذاً خاضته لندن وواشنطن، أي القرن العشرين، ويضاف إليه الآن بداية القرن الحادي والعشرين الذي توجته الإمبرياليتان بحرب العراق.‏‏

وكما شكل النفط الأرضية الواضحة أو الخفية لمعظم حروب الغرب في القرن الماضي، لارتباطه بأنماط الهيمنة الاستراتيجية وسيادة قوة على قوة أخرى، فإن ذات النفط كان البوصلة التي حركت الجيوش الأميركية لغزو العراق.‏‏

وهذه المقولة هي الفكرة الأساسية في كتاب( قرن من الحروب) التي تربط بين فصوله المختلفة مناقشة صراعات القوى على مدار يزيد على من قرنٍ من الزمن.‏‏

إن علاقة النفط بحروب السيطرة أعقد كثيراً من أن تكون بسيطةً ومسطحةً، فعادة ما تغلف القوى الكبرى نزعاتها الإمبريالية والحقيقية بأغلفة سميكة من التبريرات والمسوغات تضيع معها وفي زحمتها النوايا الحقيقية وراء الحروب، لهذا فنحن أمام شبكة معقدة من الأدوار التكاملية للدبلوماسية، والاقتصاد، والتمويل، والتجسس، وإثارة النعرات والحروب، وإدارة وافتعال الأزمات التي تصب في النهاية نحو هدف واحد تريده القوة المهيمنة.‏‏

وما يراه المؤلف وليام إنغداهل أن ما حدث في العشرية الأخيرة من القرن العشرين لا يمكن أن يكون محض مصادفات عفوية، كانت للمفارقة، لصالح المخططات الاستراتيجية المعولمة للولايات المتحدة، وهنا لا يمكن النظر بعين البراءة لسلسلة من الأحداث الكبرى، بدءاً من الانهيار الدراماتيكي للاتحاد السوفييتي، ثم حرب العراق الأولى، وضرب وتحطيم الجيش العراقي، وتأمين وجود عسكري أميركي في المنطقة، ثم حروب البلقان التي وضعت أميركا بواسطتها قدمها الثقيلة في قلب أوروبا، والحروب الأهلية اللامتناهية في إفريقيا، والأزمة المالية الحادة التي ضربت النمور الآسيوية والأدوار المرضي عنها أميركياً التي لعبها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وانتهاء بمشهد الحرب العراقية الثانية.‏‏

فالهيمنة الأميركية على العالم تقوم على ركيزتين، أولهما: القوة العسكرية التي لم يستطع أي تحالف أن يواجهها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والأخرى: الدولار الأميركي، وبالتالي فهي أشبه بهيمنة قطاع الطرق، أو القراصنة،أو الذئاب، وهذا ما تؤكده الأحداث التي جرت خلال العقود الماضية، والتي تجري اليوم في بلدان عدة...‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية