تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفن والاستشراق

عن مجلة لوبوان -
ثقافة
الخميس 27 -10-2011
ترجمة: دلال ابراهيم

لايؤرخ الاستشراق لأقاويل أثيرت حول الموضوع من قبل أحد سواء أكانت وهمية أو حقيقية (ضارية) أو غير ضارية في مفوضية مراكش. منذ أواخر القرن الثامن عشر جرت العادة أن يرافق البعثات الدبلوماسية لدى (الباب) العالي رسامون عملوا على رسم صور لنساء وقورات يلبسن اللباس التركي ويدخن النرجيلة

. وقبل ذلك التاريخ بقرن ألهب الحماس الكاتب شاتوبريان أمام البحر الأحمر كما فعل أمام نهر يختلط مع نهر المسيسيبي ومما قاله: «مازالت تبدو الصحراء صامتة في رعب، ويقول قائل إن الصحراء لم تجرؤ على قطع صمتها منذ أن سمعت صوت الأبدي».‏

وكان قد واكب حملة نابليون بونابرت إلى مصر جيل صغير من الفنانين، منهم الروائي فيكتور هيغو الذي أطلق العنان (لجنه)، بينما هيج الفنان ديلاكروا أشجاننا حينما وقف على أطلال اليونان وهي على وشك التخلص من القبضة العثمانية، قبل أن يقوض برفقة فرومانتين قافلة المستشرقين. ولغاية مطلع القرن التاسع عشر – كما يشير معرض متميز أقيم في مدينة مرسيليا وقد انتقل إليها من ألمانيابعد انطلاقته في بلجيكا - نحا الرسامون في كل أنحاء أوروبا نحوالاستشراق بشغف في أعمالهم، فقد فتح لهم الاحتلال الفرنسي للجزائر آفاق تسهيلات للولوج نحو (معبر الرمل) حسب تعبير يحلو للروائي الأميركي دوغلاس كينيدي استخدامه.‏

وفي غالب الأحيان تأتي النتائج على غير ما هو متوقع. لأن هؤلاء الفنانين لاقوا على أرض الواقع صعوبات كبيرة للالتقاء مع سكان بلاد المشرق، وكذلك في إيجاد الموديل النسائي، إذ من المعروف أن النساء في تلك البلاد يتحجبن. وبالتالي فإن المستشرقين ومنهم ديلاكروا قد رسم بشكل عام صوراً لنساء شرقيات يهوديات، كما أوضح ذلك المؤرخ الفني موريس اراما. وفي باريس عملوا في المراسم بإصرار على تعرية المرأة الشرقية، وهذا هو الأفضل بالنسبة لهم، لأن تجسيد المرأة المحجبة في لوحات الفنانين يجعل اللوحة في مكانها لاتغادره نظراً لأن مفهوم الظاهرة عصي فهمه على جمهور غربي اعتاد على محاورة الوجه المكشوف. وتشبه النساء المحجبات المرسومات في أحد لوحات جان شارل تارديو تماثيل الباكين من المرمر المنتصبة على قبور آل بورغون.‏

وثمة العديد من اللوحات كانت ذريعة لوجود اختلافات قوية ظاهرة حول موضوع الحريم، ورائد هذا الموضوع في الاستفادة منه هو الفنان جان ليون جيروم. ولوحته (حمام تركي) تشكل بالنسبة له فرصة في الجرأة في الكشف أكثر مما أكسبته إياه رحلاته العديدة إلى مصر والشرق الأوسط من شرعية لا يمكن إنكارها مطلقاً.‏

وتعتبر العديد من العناصر التي ترد في بعض اللوحات حقيقية، مثل الغلام الأسود النائم أمام الحرملك التي رسمها ليكونت دي نوي ويلبس هذا الغلام غطاء على رأسه متطابقاً جداً مع لباس العثمانيين. وبالتالي فقد أنقذت هذه الأمانة في مقاربة موضوع الاستشراق الفنانين المستشرقين. حتى منهم أولئك الذين كانت لوحاتهم مثل قنبلة أثارت الخشية منها، ففي أحد لوحاته أظهر الفنان هوراس فيرنيه مسلمين في يدهم رمز يبرز أنهم مخلصون لدين آبائهم. وخلال زيارتهم للمعرض لم يتردد مسؤولون سابقون في جبهة التحرير الجزائرية من التقاط صور لهم أمام تلك اللوحة. كما ولعب الفنانون خلال القرن التاسع عشر الضنين بصوره دوراً أساسياً، فقد قدموا البديل الضروري للمخيلة، غير مترددين عند الضرورة في تشجيع التخيلات الأسوأ، فقد رسم فنان ألماني عملية اغتصاب امرأة بيضاء من قبل باشي بوزق (جندي تركي غير نظامي) في الجبل الأسود. وازداد عدد الفنانين المستشرقين، ولكن قليل منهم تحلى بالخفة التي ميزت أعمال ديلاكروا، الذي شغفه أسلوب الحياة المغربية وجعل منها منهلاً لرجال ومناظر أبرزتها لوحاته. ويعتبر الفنان ماتيس خليفة ديلاكروا في المغرب، والذي جعل على غراره من الضوء مهرجاناً في أعماله. وقد نأى ماتيس بكل شيء لصالح الألوان، كما أشار إلى ذلك بيير شنيدلر في أحد أجمل معارضه في نهاية القرن المنصرم (ماتيس في ليبيا) – صيف عام 1990 في واشنطن – ولم تمتلك تظاهرة مرسيليا الوسائل لمنافسة معرض جمع أعمالاً فنية متشتتة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.‏

وبكل بساطة، وضمن هذا المنظور، علينا ألا نعيد كل شيء لدى ماتيس إلى المغرب وحدها. صحيح أنه حمل منها بعضاً من أجمل لوحاته وتأثر انطلاقاً من هناك بالضوء والألوان التي لم يتخل عنها البتة، ولكن علينا ألا ننسى التأثير القوي الذي تركه عرض لكنوز تركية – إسلامية تم خلال عام 1909-1910 في ميونخ على الفنان ماتيس. واحتوى هذا المعرض على المشربيات والأقمشة والسجاد والنحاس وأحواض وسقط متاع شرقية أخرى. لقد جعل ماتيس من هذا الشرق زاداً احتفظ به يجمع الصور والأفكار التي ظل يستلهم منها رسوماته حتى آخر رمق في حياته.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية