تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الوطن والمواطنة «علماء وعبقريّات» (رمز الوفاء والإخلاص)

ثقافة
الخميس 27 -10-2011
مهاة فرح الخوري

الوطن! ماذا يعني الوطن؟

أليس هو بيتنا الواسع، أرضنا الخصبة؟ ما قيمة الوطن بلا مواطنة، أقول بلا مواطن؟‏

أيها المواطن! لا تبتعد عن وطنك..عد إليه، تسلّح بمنجلك واحرث بستانك، أسق أرضك بالماء‏

الرقراق..تربتك الغنيّة بما تعطي لها، لتبقى خضراء، معطاءة، زهرة، تنبت زهوراً يانعة، ياسمين وفلّ وورود جوريّة.‏

علومك، ثقافتك ليست لك.. بل لعائلتك،لأولادك، «لعائلتك، للمجتمع»، وللوطن وقد اغتنيت بهما..هل تردّ لهما الجميل؟ لم لا وأنت المواطن الصالح، المخلص والوفي؟‏

تساءلت مراراً ولا أزال: هل نفهم معنى الوطن؟ هل يصنعنا، يكوننا أم نحن نصنعه، ألا نستوحي منه، من محبته ومن ولائنا له، ونرقى به؟ وهل يغدو مع الزمن معتزّاً بناء، راقياً، عزيزاً، شديداً، متيناً بمواطنيه؟‏

يطلق أحياناً على الوطن «الجنّة»، تكريمها، إغناؤها، الحفاظ عليها، على مكانتها، واجب وطنيّ على كل إنسان. لسنا في الوطن «حلقة مفرغة» جوفها فارغ، لا يأخذ ولا يعطي، ويغدو صحراء قاحلة تتطاير رمالها من بقعة إلى أخرى والفائدة معدومة.‏

أرغب بكلماتي اليوم، بل هدفي من مقالي هذا، أو من مطالعتي هذه أن أذكر وأذكّر أننا لسنا رياحاً عاتية..تمرّ مرّ الكرام ولا تترك أثراً..بل لسنا أولاد الأمس القريب..وما يحزّ بالنفس أن لا يُذكر من بناة هذا الوطن وصنّاعه سوى شخصيّة واحدة أو اثنتين أو ثلاث..أو...فهل هذا عن قصد أم عن جهل؟ أم لهدف لعلّنا نجهله؟ وهو لا يعني بشيء للمواطنة بمعناها العميق والصحيح..بل يسيء لها.‏

هذا الواقع بالنسبة لي أليم..ويصدر ويا للأسف عن أشخاص يدّعون معرفة التاريخ، وأصبحوا من شخصيّات الشاشة الصغيرة، وإن كانوا ينتمون إلى المعارضة أم إلى الموالاة، مقيمين في سورية، مخلصين للنظام والسلطة. وجدت من واجبي أن أذكّر، بما فات لهؤلاء الخطباء وعاشقي شاشة التلفاز، بأن الوطن بني بسواعد مخلصين مؤرّخين، مهندسين معماريين، سياسيين، علماء، مفكّرين، مجاهدين، شهداء الكلمة والجسد والفكر. أما مساهمتهم في البناء، مساهمة جبارة كبيرة علينا أن لا تفوت ذاكرتنا ولا أبحاثنا ولا تصريحاتنا..مجالات الخدمة والعطاء لاتعدّ ولا تحصى، أنى لي أن أحيط بها؟ خدمات من سبقنا رجالا ونساء تحتاج إلى موسوعات تسردها وتعدّدها..وأنّى لنا أن نحفظها عن ظهر قلب..‏

بناة هذا الوطن كثر..أتمنى لو يصار إلى إحصائهم..ولا حيلة لي في هكذا مقال صحفي، سوى محاولة التذكير بهم، أقول ببعضهم، ولن أتطرّق إلى الشخصيات التي لا تزال تعطي، تنتج وتخدم، أطال الله عمرها. وأكتفي بالتذكير بمن رفعوا علم الوطن عالياً، ليس بألوانه، وبسواعدهم ليس إلا، بل بواقع هذا العلم المشرّف لأبنائه وتربته وسيادته..إنهم هؤلاء الذين جعلناهم سهواً أو قصداً في عالم النسيان، ورحنا نلوّح بواحد منهم أو بأسماء قليلة أو ببعضهم، نلوّح بها من وراء البحار أو من حدود متاخمة لبلدنا الحبيب.‏

أسمح لنفسي أن أذكّر «بالبطريرك غوريغوريوس حدّاد» وكيف فتح أبواب البطريركية لسائر الملل والديانات والطوائف؟ وحده يحتاج إلى تأريخ بكتاب موسوعي نرد به الجميل للروح الطيبة. أما قصّة الطّباعة بالأحرف العربيّة التي بدأت في حلب بجهود البطريرك أثناسيوس الثالث دبّاس، فهي التي أتاحت لنا طباعة الوثائق المتنوعة باللغة العربية، وتسجيل تراثنا الغني.‏

ألا نذكر العلامة رضا سعيد الذي أسس الجامعة السورية وتفانى لإنجاحها..ماعلينا أن نبحث عن نشأة كليّة الطب بجهوده ووعيه في زمن يتعذّر به خلق المشاريع من أي نوع كانت. أما الصروح العلميّة في دمشق وحلب وضعت بجهود غير قابلة للنسيان من قبل مجموعة حملة شهادات عليا من أوروبا، فرنسا وبلجيكا وبريطانيا..كلّهم عادوا إلى سورية وتحمّسوا وأنشأوا كلّيات علميّة وفنيّة نتيجتها تخريج عدد كبير من الأطباء والمهندسين والفنيين والأدباء والعلماء..يُذكرون دائما، وثمّة من لهم الفضل في التذكير بهم ومنهم الدكتور «عبد الكريم رافق»‏

أليس جبرائيل سعادة الذي غدا عرّاب «أوغاريت» وقد استقطبت سياحاً كثر من سوريين وعرب وأجانب؟‏

صروح علميّة رأت النور بأفكار وجهود أدمغة سوريّة أو من أصل سوري. من أوجد مجمع اللغة العربيّة، هذا الصرح العلمي البحثي، ومن توالى على رئاسته؟ وعلى عضويته؟ بدءاً من محمّد كرد علي – 1919 لغاية 1953، ثم خلفه العلامة خليل مردم بك لعام 1959 وتباعاً الأمير مصطفى الشهابي لعام 1968 والنطاسي البارع حسني سبح وشاكر فحّام ل 2008، طيب الله ذكرهم، والآن العلامة «مروان محاسني» أطال الله عمره. كم وددت أن تسعفني الذاكرة لأنقل كلمة وفاء وشكر لمن قدّم وأعطى لهذا الوطن، دون منّة..ولا طمعاً أو طلباً للمال والثروات..وأتمنّى أن لا أقصّر مع شخصيّات فذّة ساهمت مساهمة كبيرة في خدمة هذا الوطن العزيز..وفي شتى المجالات.‏

يتعذّر عليّ في مقال صحفي أن أتوقف عند كل شخصيّة سورية أعطت ولا تزال ثمارها تغنينا لهذا اليوم وللغد القريب والبعيد، أسماء كثيرة وعلماء كثر..نساءً ورجالاً.‏

من صمّم ونجح في المسابقة التي طرحت لبناء البرلمان السوري؟ من شيّد ونفذ لهذا البرلمان؟ وقد غدا البناء وقبّته نموذجاً لبرلمان متميّز فريد من نوعه في الثلاثينات من القرن الماضي.‏

ثمّة أسماء كوكبة من الشّخصيات العلميّة الفنية الأدبيّة، شيّدت صروحاً جعلت سورية في مقدّمة البلدان المتطوّرة، في مجالات عدّة. من مطلع القرن العشرين، على الرغم من الحكم العثماني الجائر، وبعده الانتداب الفرنسي، إذ كان له إيجابيّات ومنها تأسيس المدارس الفرنسيّة وغيرها التي درّست اللغات الأجنبية كمدارس التجهيز للشباب والشابات والتابعة لوزارة المعارف، والمدارس الخاصّة التي أسست في القرن التاسع عشر.‏

كم من شخصيات نسيناها أو تناسيناها سهواً أو عمداً، أسمح لنفسي أن أعطي أمثلة، وهي أبحاث وتحريات أجريتها رغبة في بلوغ الحقيقة. بمناسبة إعلان حلب عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2006، سعيا لمعرفة المزيد، وجدت أن ابن حلب البار «أنور حاتم» هو الداعية للحق والعدالة. شارك حاتم في المحادثات التي كان لها أكبر الأثر على نيل سورية استقلالها وكُلّف أثر ذلك بنقل السلطات إلى سورية، وأصبح منذ ذلك الحين حجر الزاوية ومعتمدا لاثنين وثلاثين رئيساً تعاقبوا على مجلس الوزراء. ترجم الدستور السوري إلى اللغة الفرنسيّة فقلّد في 16-05-1951 وسام استحقاق‏

في العام نفسه، بموجب التشريع الساري المفعول آنذاك، اهتم الحاتم بتكليف من رئيس الوزراء بالشؤون الإسلامية: «الأوقاف» ذلك لاتساع أفق تفكيره، وبرضى كبير من علماء المسلمين وبإجماع الآراء..وبصلته الوثيقة بهم اكتشف قيم العدالة والأخوّة للإسلام.‏

تتراكم أسماء الشخصيات التي تستوقفني سعياً لتثبيت المواطنة ولن أتطرق إلى الأحياء الذين يبذلون الغالي والرخيص في سبيل خدمة الوطن ومشاريعه والنهوض به...أنحني احتراماً لمن بذلوا الغالي والرخيص لرفع سورية عالياً للنهوض في كل المجالات. كما أني لست ممن يرغبون في فرز المجتمع السوري أو أي مجتمع آخر، إلى فئات أو ملل أو طوائف أو انتماءات، كلنا مواطنون والمواطنة تجمعنا بأهداف نبيلة: التربة والسماء والهواء والتربية والثقافة والعادات والتقاليد إلخ...‏

كنت أتمنى أن أدخل في مجال أنواع العطاءات والتضحيات التي آلوا على أنفسهم أن يؤدوها: سماحة أحمد كفتارو المرشد الديني، د. بشير العظمة، صبحي مظلوم قضى شهيد الواجب، سعيد الغزّي، خالد العظم، صبري العسلي، جورج طعمة، نعيم أنطاكي، جميل صليبا، رزق الله أنطاكي، فؤاد شباط، حبيب كحالة، جورج فارس (صحفي شهير)، ظافر القاسمي، ميخائيل ليّان، قسطاكي الحمصي، نازاريت يعقوبيان، نجيب الأرمنازي، بدوي الجبل، سلطان باشا الأطرش، محمد جميل الألشي، حنا مالك، مدني علي الخيمي، إدمون رباط، ليون زمريا، توفيق شاميّة، أنسطاس شاهين، فؤاد الشايب، فريد شحلاوي، منير شورى، فتح الله سقّال، فتحي أنطاكي.‏

أنى لي أن أحصي السيدات السباقات اللواتي أعتز بمعرفة بعضهن؟ وحاولت دراسة ريادتهن: ماريانا مراش الحلبية، عادلة بيهم الجزائري، نازك العابد، لوريس ماهر، منيرة وبرلنته العظم، ماري عجمي، بوران طرزي عزيز، مارسيل عبسي أطال الله عمرها، وسيدات فاضلات أسسن مشاريع إنسانية أدبية: منها دار السعادة للمسنين برعاية كريمة من أم باسل حرم الرئيس المغفور له حافظ الأسد، حفظها الله.‏

الأسماء التي ذكرت، إن هي إلا غيض من فيض..إذ إن التاريخ يحمل أسماء وأعمالا تُذكر، تشرّف بها الوطن، وهي تعززت وشمخت به. هذه هي المواطنة.‏

كم أتمنى أن يصار إلى إحصاء بناة الوطن، إدراج أسمائهم وأعمالهم وصفاتهم في موسوعة، تغني الأجيال الصاعدة، وتذكّر المواطنين بأطيافهم العديدة، بمن ساهم في تكوين الوطن، ليس من الناحية السياسية بل بكل ما تعزّز به الوطن، رجالا ونساء بعطاءاتهم الأدبية والإنتاجية والمعمارية والفنية...إلخ.‏

وأذكّر بالبيان العالمي لحقوق الانسان: «لكل إنسان الحق بالجنسيّة، بالمواطنة، ويحق لكل إنسان بصفته عضوا في المجتمع، الأمن الاجتماعي. وهذا الأمن مبني على نيل الحقوق الاقتصاديّة، الاجتماعية، والثقافية اللازمة لكرامة شخصيته بفضل الجهد الوطني والتعاون العالمي مع الأخذ بعين الاعتبار نظام كل بلد ومصادره‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية