تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الروضة

ساخرة
الخميس 27 -10-2011
معتصم دالاتي

لعله من النادر أن أحداً تواجد في مدينة حمص عابراً أو سائحاً أو مقيماً دون أن تكون له استراحة في مقهى الروضة، ذاك المعلم الذي امتدت شهرته إلى جميع مدن القطر، وربما تجاوزت تلك الشهرة أبعد من ذلك.

وقد يذكرنا مقهى الروضة الحمصي بمقهى الفيشاوي الشهير في مدينة القاهرة مع فارق ليس بسيطاً وهو أن الفيشاوي مدين بشهرته للأدباء المصريين الذين كان ملتقاهم فيه، وورود ذكره في بعض أعمالهم الروائية والأدبية، ومامن ميزة أخرى له، أما الروضة فشيء آخر مختلف تمام الاختلاف.‏

يقع مقهى الروضة بقسميه الصيفي والشتوي في منتصف مركز المدينة في شارع القوتلي، والذي يطلق عليه الحماصنة شارع السرايا.‏

وتلك التسمية قديمة جداً، حيث كانت السرايا فيما سبق في هذا الشارع، ورغم حجمها الصغير نسبياً فقد كانت تضم غرفة المحافظ ومحاكم القضاء والنفوس والمعارف الذي صار اسمها فيما بعد (التربية) وأيضاً المالية، ومعظم المديريات.. ذلك أن جميع تلك المؤسسات لم تكن لتشغل أي منها أكثر من غرفتين أو ثلاث.‏

فالمديريات صغيرة والموظفون قلة وارتباط المواطنين بدوائر الدولة كان محدوداً.‏

وبعد أن توسعت المصالح والأعمال، تم بناء سرايا جديدة أكثر سعة وتم استخدامها بداية خمسينيات القرن الماضي وشيئاً فشيئاً أخذت هذه السرايا الجديدة المتسعة تضيق أيضاً بساكنيها حيث بدأ الكثير من هذه الدوائر التي كانت تقيم فيها بالنزوح إلى أبنية خاصة بها وانتهت حالة حسن الجوار بين المديرين.‏

أما السرايا القديمة فقد تسميها الناس إذ تجمع عدد من المحال التجارية حل محلها ومازال الشارع يحمل اسمها.‏

أعود إلى الروضة ذاك المقهى الأصيل المنتصب في شارع القوتلي أو السرايا والذي تم انشاؤه عام 1922 في أرض كانت بستاناً من أملاك البلدية، وكان رئيس البلدية آنذاك محمد ابراهيم أفندي الأتاسي. ولقب أفندي كان يطلق على جميع موظفي الدولة.‏

وإن كان هو بالأصل خاصاً بكبار الموظفين، لكن صغار الموظفين كانوا حريصين على أفنديتهم حرصهم على وظيفتهم.‏

وقد لايرد أحدهم على مواطن من المراجعين إذا لم يتوج اسمه بهذا اللقب الثمين.‏

ولم لا؟ ألا يلبس طقماً افرنجياً مع ربطة عنق ويجيد أو يلم بالقراءة والكتابة ويأخذ راتباً من الحكومة أول كل شهر؟.‏

ويروى أن محمد إبراهيم أفندي الأتاسي رئيس بلدية حمص آنذاك قد وضع يده على البستان المذكور، فهو أصلاً من أملاك البلدية التي يرأسها ثم أتى بمخططات الروضة من إيطاليا.‏

فكان الجناح أو القسم الصيفي ببحيراته المتعددة وأشجاره الكثيفة وأرضه الرملية، وقد خصص قسم منه حديقة عامة. والآخر مقهى.‏

ومع مرور الزمن أخذ المقهى يتوسع ويتطاول على الحديقة العامة.‏

فرواد المقهى يدفعون نقوداً ثمن ارتيادهم له في حين أن رواد الحديقة العامة لا يدفعون، ومع سريان هذه القاعدة ومرور الزمن فقد تحول المكان بكامل مساحته إلى مقهى يجب على من يرتاده دفع ثمن المشروب مع البخشيش.‏

وهكذا كما في كل الأزمنة والأمكنة ينتصر الذي يدفع على الذي لايدفع.‏

الجناح الشتوي لمقهى الروضة تم بناؤه وفق المخططات الواردة من إيطاليا كمسرح ودار أوبرا، ويشهد بذلك البلكون المطل من على المسرح، إضافة إلى شرفة صغيرة ترتفع في أعلى الحائط الشرقي لتذكرنا بشرفة المحبوبة جولييت تقف عليها لتستمع لأغنيات روميو العاشق الولهان.‏

وقد يرق له قلبها فتقذف إليه بحبل يتعمشق عليه إلى شرفتها.‏

فينال مكافأته قبلة أو لمسة أو نظرة عن كثب، وهذا أضعف المنال ولكن لابأس به.‏

الزائر لمدينة حمص أو المقيم فيها يلاحظ الأرصفة الضيقة للشوارع والطرقات ولاسيما القديمة منها وقد يقارنها بالرصيف العريض جداً الذي تحظى به الروضة، ذاك أن الرصيف هذا كان هو الآخر مقهى على غرار مقاهي الرصيف الأوروبية التي تدعى (تيراس) terrasse وتيراس الروضة هذا لم يعد له وجود منذ زمن بعيد.‏

ومنذ إلغائه أصبح بإمكان الناس التواجد فيه مشياً أو وقوفاً يتفرجون على رواد هذا المقهى بالمجان ودون أن يدفعوا أي مبلغ على الإطلاق.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية