تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مـن ظرفـاء دمشــــق (16).. محمـــود الصابونــي

ساخرة
الخميس 27 -10-2011
نصر الدين البحرة

عندما أكتب عن الصديق الراحل المحامي محمود الصابوني، فإنني أشعر بالحد الأدنى من الوفاء لهذا الرجل الذي عايشته عقوداً من الزمن تقاسمنا خلالها «الحلوة والمرّة»

وأعدنا معاً إنتاج بعض النكات والنوادر التي سمعناها أو قرأناها، وتشاركنا كثيراً من السهرات والجلسات في المساءات والنهارات، وسافرنا معاً داخل القطر السوري وخارجه.‏

ينتمي محمود في الأصل إلى أسرة محافظة على العموم، تحدر بعضها من حلب إلى دمشق، وقد كان والده واحداً من أعضاء الجمعية الغرّ، وهو الشيخ أحمد الصابوني، الخطيب الديني المفوّه، وعمه الآخر الأصغر من الشيخ أحمد كان كذلك ولكنه عاش حياته في البداية ولذلك اعترف لمحمود في جلسة في أحد مقاهي دمر، بعد وفاة أحمد قائلاً: رحم الله أباك فإنه قطع رزقي وفسقي، أما عمه الثاني فهو الكاتب والصحفي والإذاعي اللامع الظريف ظافر الصابوني صاحب الجريدتين «أخبار الأسبوع » وأخبار النهار» اللتين كانتا تصدران في دمشق في خمسينيات القرن العشرين، وكان من محرريها حسيب كيالي وغسان الرفاعي وأحمد الغفري، وكاتب هذه السطور.‏

في مدرسة الجمعية الغراء‏

كانت للجمعية الغراء مدرسة داخلية تدرس علوم الدين الإسلامي، ويؤمها الطلاب من مختلف المحافظات القريبة من دمشق، وكانت تحتل جانباً من جامع «تنكز» حيث يدخل إليها من «زقاق رامي» ويا طول ما حدثني محمود الذي سلكه والده صغيراً في هذه المدرسة، عن مخاوفه إذ يوقظونه عند الفجر لأداء صلاة الصبح، ويسمع هدير نهر بانياس القوي - يومذاك- إذ يمر من قلب الجامع.‏

تطرف من نتائج التزمت‏

يعترف محمود الصابوني أيضاً أن نشأته في هذا الوسط المتزمت تركت أثراً بعيداً في فكره وروحه ونفسه، وأدت إلى مبالغته وتطرفه في التمرد على التقاليد، أي أن مفعول تلك الحياة كان معاكساً على نحو مباشر وغير مباشر.‏

عمل محمود قبل أن ينال الشهادة الثانوية في خمسينيات القرن الماضي معلماً وكيلاً في بعض المدارس الابتدائية في حي الميدان، ثم تابع دورة في معهد الأرصاد الجوية، ومن ثم التحق بمركز حلب.. وكان معه هناك زميله الدمشقي الآخر قاسم حيدر في حلب الشهباء تلك الأيام.‏

مشاغب في المحافظات النائية‏

وبعد حصوله على الإجازة في الحقوق، غدا موظفاً مرموقاً في المؤسسة العامة للكهرباء قبل إنشاء وزارة الكهرباء لكنه لم يبخل عن مناكفاته ومشاغباته وتحريضه العمال على التمرد، فكانت النتيجة إبعاده إلى ما كان يعرف باسم (المحافظات النائية) أي الجزيرة ودير الزور، فكان يزورنا, إذ يعود في بعض الإجازات ببعض ما سمعه من أخبار من نوادر وفكاهات هناك.‏

في مطاعم الحسكة‏

يروي الراحل قاسم حيدر الذي كان يدرس الجغرافيا في الحسكة، عندما جاء محمود إليها معاقباً، لكنه تولى رغم ذلك وظيفة (مدير الكهرباء) أنه كثيراً ما كان يرتاد المطاعم مع محمود هناك، فيفاجأ لدى انتهاء تناولهما الطعام والشراب، بأن محموداً (لايدفع قرشاً) وعندما كان يسأله فإنه يقول: (كرامة) ويضيف قاسم إنه زار محموداً ذات يوم في مكان عمله، فرأى في إحدى الزوايا (هواوس HAUSSE) أي قواطع للكهرباء، كتب بجانب كل منها اسم المطعم العائد لها. يقول قاسم وهو يتكركر إذا أخذ أحد تلك المطاعم شيئاً من محمود قطع عنه الكهرباء.‏

مفارقة مع عم الوزير‏

وهناك نكات ونوادر جاء بها محمود عن تلك المدينة النائية ورواها لنا، ومن أسف أنها لا تصلح للنشر، فمعظمها (عميق) لكن بعض ما أتى به من دير الزور، ربما يصلح للرواية، من ذلك مثلاً ما حدث في إحدى الليالي في شارع موحل في ستينيات القرن الماضي، حين صدمت سيارة صغيرة عتيقة راكب دراجة، وكان سائق السيارة كهلاً ضعيف البصر، فماذا يرى والمطر ينهمر.‏

على كل حال فإنه أوقف سيارته وترجل، وخاطب الشاب صاحب الدراجة الهوائية قائلاً: ( معليش سامحتوك ياول تا ما يقولون: عم الوزير وكانت ابنته فعلاً زوجة ذاك الوزير.‏

انتفض الشاب وهو يرى ما حل بدراجته من أعطال، وتلطخ به من أوحال، وما لحق به من جروح في وجهه ويديه وقال: يا وله تدهكني وتوحلني وتقول لي: عم الوزير ! ألعن أبوحت (حتى) هالوزير.‏

من حكايات دير الزور أيضاً‏

ومن النوادر التي رواها الصابوني عن بهلول في الدير يعرف باسم بنزين وكان يتردد على بعض دوائر الأمن، فيرفقون به ويقولون له: اكتب ماذا سمعت، فيكتب مثلاً: شاهدت فلاناً وفلاناً في (شرداق) كذا وهو مقهى على نهر الفرات وقد قاربا رأسيهما وراحا يتحادثان همساً بصوت خفيف، وهذا يعني أنهما كانا يشتمان الحكومة، وعندما ينهي كتاباته ينقدانه ما تيسر، وذات مرة رآه أحد المسؤولين فقال له: شو بنزين؟ أشوفك تقبض؟ بالنص أخوي! وأشار إلى ذلك بيده.‏

انزعج بنزين من ذلك المسؤول وقال له وهو يشير إلى الطاولة التي كان جالساً عليها:عليش يا خوي؟! هذا القرطاس وهذا القلم.. اكتب واقبض.‏

رؤية الفيلم من الخلف‏

عام 1975 كنت أنا أمين سر نادي دمشق السينمائي، وكان رئيسه الصديق العزيز المخرج السينمائي مروان حداد، وكنا نعرض مساء كل ثلاثاء في حفلة الساعة التاسعة، فيلماً مميزاً تليه مناقشة صافية، وقد أغريت محمود الصابوني ومعه نذير قدورة بحضور هذه العروض، وذات مساء بعد عرض فيلم صعب للمخرج السويدي الشهير « انغمار بيرغمان» ودوران المناقشة، تساءل محمود عن بعض الأمور في الفيلم فقال له مروان: لهذا الفيلم (خلفية) إذا عرفتها فهمت الفيلم. هنا قال محمود: كان يجب إذاً أن نرى الفيلم من الخلف.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية