وممازاد من أهمية أدوار الفاعلين الإقليميين وعمّق من صراعها، الإدراك المبكر من منظور الفاعلين الدوليين للأهمية الاستراتيجية لإقليم الشرق الأوسط بتوسطه لقارات العالم، وسيطرته على خطوط الملاحة العالمية ولثرواته الاقتصادية الهائلة ، وخاصة النفط إذ يملك قرابة 66٪ من الاحتياطي العالمي للنفط و32٪ من الإنتاج العالمي، وهو الأمر الذي أسهم في تصارع القوى الكبرى من أجل كسب موطئ قدم لها في الشرق الأوسط من خلال إقامة علاقات تحالف، كالذي كان قائماً بين الولايات المتحدة وشاه إيران، والتحالف الأهم الآن بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ثم جاءت التحركات الشعبية العربية لتكسب الأدوار الإقليمية زخماً وحراكاً وأهمية متزايدة.
يشكل إقليم الشرق الأوسط المناطق الواقعة بين المحيط الأطلسي غرباً و إيران شرقاً، وتركيا شمالاً حتى أثيوبيا جنوباً .
لقد تبدلت الأدوار وازدادت أهميتها بعد الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط حيث صبغت الأدوار الإقليمية المنطقة بهوية الدور وملامحه من حقبة إلى أخرى .
حيث اتسمت الستينات بالدور المحوري المصري كما عرفت السبعينات بالحقبة السعودية، بينما شهد العقد الثمانيني دوراً عدوانياً إسرائيلياً متصاعداً مع تنامي الدور العراقي الذي تصدر المشهد الإقليمي في مطلع التسعينيات ثم تراجعت الإقليمية في مواجهة العولمة طيلة العقد حتى جاءت أحداث 11أيلول 2001 والتي استدعت بدورها حضوراً عسكرياً مكثفاً ووجوداً أميركياً مباشراً تحت مسمى الحرب على الإرهاب وماصحبها من تداعيات أسفرت عن احتلال العراق وأفغانستان وسيطرة كاملة للدور الأميركي ومحاولة واشنطن هدم الشرق الأوسط القديم القائم على توازن القوى واستغنائها عن دور الوكلاء الإقليميين وسعيها لإنشاء شرق أوسط جديد قائم على تغيير الأنظمة المناهضة لها في المنطقة.
ولكن أميركا واجهت صعوبات كبيرة على أرض الواقع في العراق تحديداً أسهمت هذه الصعوبات في عودة الإقليمية من جديد، حيث تصاعد الدور الإيراني منذ الثورة الإسلامية مستنداً إلى قوة عسكرية اقتصادية وإيديولوجية وإرادة طامحة لفرض نفوذها الإقليمي وإعلانها لعدائها لإسرائيل منذ اليوم الأول للثورة. ودعمها لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان وتحالفها مع سورية.
أما تركيا وبعد رفض دول الاتحاد الأوروبي لها بالانضمام للاتحاد فقد حاولت أن تعزز مكانتها الإقليمية بمايجعلها مؤهلة للعب دور الوسيط الشرق أوسطي.
وبدأت تتجه شرقاً وفقاً لحسابات تركية خالصة تأخذ مصالح تركيا في الحسبان ووفقاً لما عبّر عنه مهندس السياسة الخارجية التركية، داود أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» الذي عبر فيه عن قناعاته بأن مكانة بلاده الاستراتيجية تؤهلها للعب دور فاعل في السياسة الدولية أكثر من كونها جسراً يربط بين الشرق والغرب، وبلغ الأمر بسياسة تركيا الطموح في الإقليم أن جعلت المراقبين يصفونها بـ «العثمانية الجديدة».
أما مصر فقد بدأ دورها بالتراجع منذ خروجها من دائرة الصراع العربي الصهيوني كفاعل رئيسي ومحرك للأحداث، وانشغال القاهرة عن فضائها الحيوي، نتيجة لاستغراقها في ملف التسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي، فكان الانقسام في السودان والأزمة في حوض النيل حول إعادة تقاسم المياه، والتباعد عن إفريقيا وانكفاء مصر على ذاتها .
في هذه الفترة تنامى الدور الإقليمي لسورية منذ مجيء الرئيس حافظ الأسد الذي نجح في ترسيخ دور إقليمي حيوي، ممايجعل سورية الرقم الصعب في معادلة القوى الإقليمية في الشرق الأوسط على النحو الذي يجعل المساس به مبرراً لانفجار الإقليم وذلك لكونها تسيطر على مجموعة من التفاعلات البينية المهمة في معادلة الاستقرار الإقليمي.
لقد أحدثت التحركات الشعبية العربية تحولات متباينة على مستوى أدوار الفاعلين الإقليميين، ففي الوقت الذي اكتفى فيه الفاعلون الدوليون بموقف المشاهد والمراقب باستثناء التدخل السافر في ليبيا، نجد القوى الإقليمية تشهد حالة من التفاعل غير مسبوقة ربما ينتج عنها تغيرات كبرى على واقع ومستقبل الفاعلين الإقليميين سواء كانوا دولاً أم فاعلين من غير دول .
وبنظرة أفقية على ماأحدثته الاحتجاجات العربية من تحولات للأدوار الإقليمية نجد المصالح لاالمبادئ هي التي تحكم السياسة الإقليمية الحالية في الشرق الأوسط .
فالموقف التركي يبدو عليه الارتباك، فقد أيدت ماجرى في مصر وتونس في حين ترددت في ليبيا نتيجة مصالحها الاقتصادية وتلعب الآن دوراً سلبياً تجاه الموقف في سورية، موقف الوكيل للولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أن مصر المتراجعة إقليمياً عادت أو تحاول العودة لدورها من جديد، وأصبح لديها هامش حركة أكبر في مجال السياسة الخارجية .
وعلى صعيد دول الخليج فإننا نلاحظ تنامياً لدور مجلس التعاون الخليجي وجاء هذا التنامي بعد أفول دور الجامعة العربية في ظل الأحداث الراهنة .
وإسرائيل حالياً تمارس دور المراقب والمتفرج الحذر للتطورات التي ربما تسبب تهديداً لأمنها ومصالحها في المنطقة.
فهي تخشى من تحول سياسة مصر الجديدة عنها، أو تشكيل محور مصري -إيراني - سوري مناهض لها.
وهناك فاعلون جدد على الساحة فهناك الدور الأثيوبي القادم من الجنوب الذي يمكن أن يهدد الأمن القومي لكل من مصر والسودان خصوصاً في ملف المياه.
ولقد أحدثت الاحتجاجات العربية حراكاً إقليمياً جديداً لم ينته بعد.
وفي ظل حالة الضبابية السائدة ، من الصعب التكهن بالمدى الذي سيصل إليه هذا الحراك، وكذلك طبيعة المعادلات الإقليمية الناشئة عنه، والتي ربما تفضي إلى عالم مختلف في منطقة الشرق الأوسط، أي إقليمية جديدة من نوع ما، لكن الثابت أن الشيء الوحيد الذي سترسو عليه المنطقة هو انتصار محور المقاومة ضد إسرائيل ومن يدعمها.