لكن ثمة جمالاً آخر يعزز جمال الشكل ويدعمه هو جمال الروح جمال الأخلاق واحترام الذات جمال الخجل الذي هو أكثر أنواع الجمال حباً.
كتب التراث العربي فيما كتب أن الحجاج حاكم العراق الشهير في أيام الخلافة الأموية أنه كتب إلى الحكم بن أيوب أن أخطب لعبد الملك بن مروان امرأة جميلة من بعيد مليحة من قريب شريفة في قومها ذليلة في نفسها «أي خجلة» مواتية لبعلها «أي زوجها».
وقال عبد الملك بن مروان من رجل من غطفان: صف لي أحسن النساء، قال خذها يا أمير المؤمنين ملساء القدمين، ردماء الكعبين، ناعمة الساقين، ضخماء الركبتين، لقاء الفخذين، ضخمة الذراعين، رخصة الكفين، ناهدة الثديين، حمراء الخدين، كحلاء العينين، زجاء الحاجبين، لمياء الشفتين، بلحاء الجبين، شماء العرنين، شبناء الثغر، محلوكة الشعر، غيداء العنق، مكسرة البطن.
فقال: ويحك وأين توجد هذه؟ قال: تجدها في خالص العرب فانظر يا عزيزي القارئ إلى غنى اللغة العربية.
وقال حكيم: عليكم من تربّت في النعيم ثم أصابتها فاقة فأثر فيها الغنى وأدبها الفقر.
قال رجل لخاطب: أبغ لي امرأة لا تؤنس جاراً ولا توطن داراً يعني لاتدخل على الجيران ولاتدخل الجيران عليها.
وفي مثل هذه قال الشاعر:
هيفاء فيها إذا استقبلتها صلف
عيطاء غامضة الكعبين معطار
خود من الخفرات البيض لم يرها
بساحة الدار لابعل ولا جار
وقال الأعشى:
لم تمش ميلا ولم تركب على جمل
ولم تر الشمس إلا دونها الكلل
وكانت امرأة عمران بن حطان من أجمل النساء وجهاً وكان هو من أقبح الناس وجهاً فقال لها يوماً: أنا وإياك في الجنة إن شاء الله تعالى قالت له: وكيف ذلك؟ فقال: لأني أعطيت مثلك فشكرت وأعطيت مثلي فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة.
وقال بعضهم: رأيت في طريق مكة امرأة أعرابية مارأيت أحسن منها وجهاً فقعدت أنظر إليها وأتعجب من جمالها فجاء شيخ قصير فأخذ بردائها وسار بها ومضى، فلقيتها مرة أخرى فقلت لها: من هذا الشيخ؟ قالت: زوجي، قلت: كيف يرضى مثلك بمثله، فأنشدت:
أيا عجباً للخود يجري وشاحها
تزف إلى شيخ بأقبح تمثال
دعاني إليه أنه ذو قرابة
يعز علينا من بني العم والخال
وسمع بعضهم يقول شعراً:
ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي
توافق عند الأكرمين قوامي
توافق عنه المشترى الحمد بالندى
نفاق بنات الحرث بن هشام
فقال يابن أخي مابلغ من نفاق بنات الحارث بن هشام؟
قال: كن من أجمل الناس وجوهاً وكان أبوهن إذا زوجهن يسوقهن ومهورهن إلى بعولتهن فقال: يابن أخي لو فعل إبليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون.
وقال عبد الملك لابن أبي الرقاع: كيف علمك بالنساء؟ قال: أنا والله أعلم الناس بهن وجعل يقول:
قضاعية الكعبين كندية الحشا
خزاعية الأطراف طائية الفم
لها حكم لقمان وصورة يوسف
ومنطق داوود وعفة مريم
وقالت العرب في وصف حسن المرأة: الوجه الحسن أحمر.
وقد تضرب فيه الصفرة مع طول المكث في الكن والتضمخ بالطيب.
وقالوا: إن الوجه الرقيق البشرة الصافي الأديم إذا خجل يحمر وإذا فرق يصفر.
ومنه قولهم: ديباج الوجه يريدون تلونه من رقته.
قال علي بن زيد في وصفه:
حمرة خلط صفرة في بياض
مثل ماحاك حائك ديباجاً
وقال علي بن عبد ربه:
بيضاء يحمر خدها إذا خجلت
كما جرى ذهب في صفحتي ورق.
وقالوا إن الجارية الحسناء تتلون بلون الشمس.
فهي في الضحى بيضاء وبالعشي صفراء فقال ذو الرمة:
بيضاء صفراء قد تنازعها
لونان من فضة ومن ذهب
قالوا: ليست المرأة الجميلة التي تأخذ ببصرك جميلة على بعد فإذا دنت منك لم تكن كذلك بل الجميلة التي كلما كررت بصرك فيها زادتك حسناً.
قال الشاعر:
ممن حملن به وهن عواقد
حبك النطاق فعاش غير مهبل
حملت به في ليلة مزورة
كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل.