تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الموسيــــقا العـــــربية أزمنة التأسيس ومحطات التحول

ملحق ثقافي
الثلاثاء 24/1/2006
علي الأحــــــــــمد

.. أدرك الموسيقي العربي ومنذ القدم أن عليه أن يقوم بخطوات ضرورية في الحوار الموسيقي مع الآخر بغية الإستفادة من مفرداته في تعزيز وانتقاء النظام الموسيقي العربي الذي حوى بدوره مفردات أصيلة أطرت هذا النظام وأعطته ملامح خاصة وفريدة

‏‏

بدءاً من تأثيره القوي فى أروقة المعابد في الممالك العربية القديمة وصولاً إلى الانفتاح على الفضاء الموسيقي الممتد الذي وصل إشعاعه وتأثيره إبان الأمبراطورية العباسية إلى أبعاد وطقوس نفسية وطربية رسختها هذه الحوارات ونتائجها الفكرية المثمرة على كافة امتدادات الجغرافيا الموسيقية العربية. وما بين أزمنة التأسيس الناجزة هذه ومحطات التحول التي أعقبها مرت الموسيقى العربية بفترات تاريخية حاسمة كانت تتصارع فيها تيارات شتى ومدارس فكرية حول مشروعية وضرورية التجديد بما يفرض على مشروع التأسيس هذا بعد أن استنفذ شروط بقائه وصيرورته أن يتخلى مرغماً عن كثير من مفردات وإشراق حضوره المعتاد في الحياة الموسيقية العربية، وكان عليه من هذا الواقع أن يخوض معارك فكرية ونفسية واجتماعية عديدة في سبيل بقاء شرط الحياة والبقاء حياً ونابضاً بعد أن لعبت الأحداث التاريخية والسياسية هنا دوراً مهماً في تغيير وانقلاب معالم هذه الحياة التي بدأت سريعا بإحتضان المفردات الوافدة من الآخر وهو هنا «البيزنطي والإغريقي ومن ثم الفارسي ومن بعده التركي بما قلب الكثير من المفاهيم الموسيقية الموروثة رأساً على عقب ووضع النظام الموسيقي العربي في مهب الريح خاصة مع تعاظم نفوذ التيار «الحداثي» الذي تزعمه مجموعة من الأسماء المهمة ومن بينها كما نعلم الموسيقار الأمير ابراهيم بن المهدي ومحاولاته العديدة في إسقاط الكثر من المفردات التي دافع عن قيمها وحضورها البهي الموسيقار الكبير اسحاق الموصلي ومريدوه الكثر والذي واجه عداوات وخصومات كثيرة نتيجة لموقفه الراسخ من الحفاظ على هذه المفردات في وجه المتغيرات العاصفة وهو الذي صنف ضمن هذا الإطار مئات المؤلفات التي تشيد بهذا البناء الموسيقي الشامخ والذي شيد أركانه مجموعة كبيرة من المفكرين والفلاسفة بما أسس لاحقاً مدارس وأزمنة موسيقية تماهت مع التأثيرات الوافدة والتي نقل بعضاً من مفرادتها العديد من الأعلام الرواد الذين ارتحلوا إلى قلب هذه الموسيقات المجاورة ودرسوا علومها ونظرياتها عن كثب ناقلين إبداعاتها الملموسة إلى قلب الحياة الموسيقية العربية كما نجد في بصمات وإغناءات الموسيقي الشهير «ابن مسحج» وتلميذه النابغة «ابن محرز» وإسهامات نشيط الفارسي وقائمة كبيرة وممتدة من الرواد الذي أكد على عمق دورهم وحضورهم الفيلسوف العربي الكبير «الكندي» بآرائه الفلسفية العظيمة وإسهاماته القيمة في مجال نقل هذا الفن إلى مصاف الفنون والعلوم الرياضية الرفيعة حيث أكد في أبحاثه الموسيقية الرائدة على أن فن الموسيقى يتكون عموماً من فنون عدة اغريقية وفارسية وعربية حيث الدعوة إلى الحوار والتلاقح الموسيقي الإيجابي مع الآخر ضرورة وطريقة مثلى لتطوير هذه الفنون بما يحافظ على نقاء ومفردات الهوية الموسيقية الوطنية لكل منها وهذا ما أكده لاحقاً المعلم الثاني الفيلسوف الفارابي ومن بعده الشيخ الرئيس ابن سينا والعديد من مفكري وواضعي أسس النظام الموسيقي العربي الذي أضحى بفضل ذلك أكثر منهجية بما خلق تيارات موسيقية عديدة تماهت مع الإبدعات الخاصة في مجال البحث والعلم النظري وميادين تصنيف الآلة وعلم الصوت وإرساء البعد النفسي في الحياة الاجتماعية العربية بعيداً عن ارتهانات الطرب الحسية التي سادت معالم هذه الحياة مئات السنين.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية