الفنان بسام الحصـني تنفس الأحاسيس البكر في الخامات الصلبة
ملحق ثقافي الثلاثاء 24/1/2006 معـد اسـتانبولي ولد الفنان بسام الحصني في دير الزور عام 5591في أسرة متعلمة و متقدمة على بيئته ، و كان كل شيء حوله فطرياً و بدائياً يجذبه حيث كان.
و لا يذكر الفنان الحصني متى مسك أول قلم ، و لكن يذكر أن صفحات دفاتره المدرسية كانت تتزين بالزخارف و الألوان ، و كان السطح الخشبي لمقعده المدرسي المحبب إليه يتجدد كل عام ، فكان له عمل فني ينتهي في نهاية العام الدراسي ، و عندما بلغ سن الثانية عشرة انتبه إليه أستاذه الأول و الأخير الفنان فائق دحدوح - وهذا القول للفنان الحصني - الذي كان يشجعه و يعتني به محاولاً أن يخترق بهذا المبدع الصغير واقع البلد الصغير ، و أسرته الدينية المحافظة. و كان تشجيع الفنان - دحدوح - لهذا الطفل دافعاً لاشتراكه في المعارض المحلية ، و أوسكار رسوم الأطفال في الهند. و في سن السادسة عشرة سافر الحصني إلى أوروبا للعلاج ، فكانت نقطة تحول في حياته ، فتزود بإحساس جديد مما رآه هناك من أعمال فنية و متاحف ، فكان دافعاً لانتقاله إلى دمشق و الانتساب إلى كلية الفنون الجميلة ، و بعد نجاحه في فحص القبول لم يلتحق بها بسبب البيئة العائلية الدينية ، فأكمل دراسته في كلية التجارة ، فكان آخر قيد عائلي له عدم انتسابه لكلية الفنون. كانت تستهويه في البدايات التجاوزات الفنية للمدارس التشكيلية ، و لم تمنعه دراسته في كلية التجارة من زيارة المعارض الفنية ، و أصدقائه (علي فرزات - أنور الرحبي - و غيرهم.... ) و زيارة مراسم الأساتذة و في مقدمتهم - فاتح المدرس - وغيره. إلا أن هذا البحث الدائم أشغله عن البروز في المعارض الفردية لأسباب كثيرة ، هي أولاً : اعتقاده التام أن الفن يفقد بعض قيمته إذا بعد عن الهواية ، وثانياً : البروز يجب أن يكون للعمل، والخط الفني هو الذي يحدده ، وليس رغبة الإنسان في الظهور. وانشغل الفنان الحصني في تذوق العمل الفني ولم ينشغل بنقده كما هو شائع ويعتقد أن الدراسة والتدريس للعمل الفني يأتي عن طريق معرفة قراءة اللوحة ومن ثم التحريض الداخلي للطلاب الذين ما فتئوا يتكررون على مر هذه السنين الطويلة فهو لا يعتقد بأن مسك الريشة ، أو الإزميل أمام أو بيد الطالب هي الطريقة المثالية للتعليم ، بل الدخول والرحلة في مجاهيل بذور إبداعاته الداخلية وتحريضها بدلالة الموهبة التي لديه لإخراجها على سطح العمل الفني. عمل الفنان الحصني سنوات عديدة في مجال الديكور وتحديداً من عام 2891 وكان للزخرفة والعمل الفني على الزجاج الذي حاز على نصيب وافر من سني العمل إذ استطاع أن يحول ذلك السطح البارد إلى الماس أو حجر كريم يزين جدراناً جرداء. وكان العمل على الزجاج يحمل نوعاً من التحدي له لإظهار موضوع طيع ولين وجميل على سطح يجافي الأحاسيس والواقع ، وحين كان يحتاج إلى سكون النفس يميل ويذوي إلى العمل واللعب بالخشب مسطحاً كان أم كتلة، فيتحاور معه وينساب مع عروقه حتى تتلون أحاسيسه بتدرجات الخشب المتجانسة ، وكثيراً ما كان هاجسه تحويل القطع القديمة منه إلى نصب للزينة ، وإظهار جمال هذه المادة التي تعيش بوجدانه دائماً ومنذ الصغر. أما القماش هذا السطح الجميل والمريح له فكان يغريه ويدعوه لاستخدامه. الكثيرون يلومون الفنان الحصني و يعاتبونه على وجوده في محترفه البسيط في أحد شوارع دمشق، بأنه يعيش على هامش النشاطات الفنية و الأضواء ، و يرى الفنان - الحصني - أن من يجلس على الهامش ليس بالمعزول إلا أنه يتربع في مكان يتيح له رؤية و تذوق و نقد كل موجود ، و على سائر الصفحات ، فكل صفحة لها موضوع و معنى، و يبقى الهامش نقطة الوصل لكل الصفحات. يستهوي الفنان - الحصني - العمل القديم من مخطوط أو لوحات تاريخية أو أثرية ، و كثيراً ما يلجأ إليه الآخرون لكي يقوم بأعمال الترميم فيرفض إلا للحالات الإسعافية التي يخشى أن تأكل من عمر القطعة أو المنحوتة الفنية ، حيث يرى أن التمادي في الترميم إلى درجة التجميل، و إخراج القطعة الفنية بحالة صحية تناسب الواقع الذي نعيشه في بلاد الشرق التي تجهل أسس المعالجة و الترميم هو كفر بحق العمل و الفنان الصانع ، لأن تطور الوسائل المتاحة حالياً و التي لا ضير لديه من استخدامها في إنتاج عمل جديد بطريقة بدائية ، و أدوات مناسبة للعصور القديمة، و يؤثر ذلك عليه بفكرة التعليم ، حيث يرى أنه لا يجدر لأي معلم يعلم أو يحرض نشاط الطالب أو الطالبة باستخدام أدوات و تقنيات حديثة ، فكثيراً ما يدفع هؤلاء الطلاب لاستخدام ريش من صناعة يدوية ، و ألوان و أحبار ترابية بدائية يصنعها كيف يشاء تخدم موضوعه الفني لكي يبدأ فكرة في رحلته الفنية ، ليس من عام 5002 ، بل يسعى إلى أن يبدأ من القرن السابع عشر أو الثامن عشر ، و له الخيار في استعمال ما يشاء عندما ينضج ، و قناعته بأن حرية الفنان و تجاوزاته و كفره بالأشياء الجاهزة و المصنعة هي أساس في بنيته الفنية ، و حرية الموضوع و اختياره بقدر ما تلامس التجاوز الشائع و تخطيه إلى قدر يقرب إلى النجاح.
|