تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رَتابَةُ مَوتٍ أربَكتْهُ خيوط الشَمس

ملحق ثقافي
الثلاثاء 24/1/2006
عدنــــــان كنـــفاني

على حدّ الشفرة نمشي، كأننا من نسيج خميرة تتلظّى بالقهر، وتتشظى كلما صفقتها شرارات النار.

وكان مثلنا..‏

عندما بدأ خطواته الأولى على درب الحياة، كان الأمل أكبر من الحقيقة، والخيال أوسع من الواقع فكان لا بد أن تأتي لحظة التصادم. كان شفيفاً كما وريقة ريحان لم تلثمها فراشة بعد نقيّاً كرحم مريم صادقاً كما الشمس ولأنه يحمل هذه الغرائب في زمن الغرائب جاءت تلك اللحظة العبثية ليكتشف أنه لا شيء..! نعم هكذا بكل بساطة لا شيء أبداً.. غُربةٌ تطحنه وهو في قلب الضجيج.. بلا وطن وهو يحمل بجناحيه علم الوطن.. أوراق تنبض بصفاء الروح، بدّلتها صحائف العمر إلى ثورة أول ما بدأت، طحنته في جوف القرار.. وقلّم كلما راح إلى حدائق النشوة المبرّاة من كل إثم، وجده يتمطّى كسولاً تحت عباءة الحاجة.. حبيبة دفنته في أرض خواء، ثم سريعاً أرخت طيبها، وجدائلها بعيداً عن كتفيه، تحت سطوة أمنيات لم تتعدَ أناها، تحلم أن يستطيع ذلك الآخر لو يفرشها أحدهم أرقاماً في موسوعة جداول بين نهديها.! لم يعد في مدى الأفق غير غربان تنعق، وجلاد مستعد لبتر الأطراف، وموت يتسلل من غرزات الجلد ليحتلّ المساحة الباقية من بياض الصدر. ألقى وراءه كلّ الأوراق التي حملت حبر دمه، وكسّر الأقلام، وراح يركض عبر الزمن.. يركض ويركض ويركض.. هو الموت إذن ينتظره في آخر الطريق.! موت سهل يأتيه هكذا دون أن يبذل غير الركض جهداً إلى مجهول يتناوشه يركض ويركض ويركض.. والدوائر السوداء تختصر محيطها شيئاً فشيئاً، وتعتصره عنوة في حلقاتها المتعبة. كلّت ساقاه، وتسارعت نبضات قلبه، وعلا وجيب أنفاسه.. بدأ الموت يزحف فيه إليه.. تلاشت قواه ولم يبق غير الاستسلام إلى هدأة الموت. كان الوقت مساء عندما أنهك التعب قلبه، فابيضّت المساحات حوله. سقط.. فتلقفت جسده الذاوي مواسم النجيل.. ثم.. هدأ كل شيء..! تفتّقت شعائر العتمة، وابتلعت الضفادع نقيقها الحزين، عندما فضّ الفجر بكارة ليل أسّر وشوشات ألف عاهرة، وألف كذاب.. العصافير تتناوب صراعات حميمة وهي تغادر أعشاشها تباعاً إلى زحمة الحياة. نبتة بريّه لم تتفتّح بعد تغتسل بقطر الندى. نجمات تلمّ بريقها، تجمعها كحبيبات ماس وسريعاً تضيع في محاريب الفضاء. كلّ شيء حوله يفتح ذراعية للشمس.. والحياة فتح عينيه.. تحسس أطرافه.. حرّك أصابعه ثم... رسم على وجنتيه تضاريس ابتسامة خافته، وهمس باشتياق: ـ عندما نفتّش عن جمالنا في مرايا الحياة.. نقبلها ونعيشها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية