تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«الأرض والقمر»

ملحق ثقافي
الثلاثاء 24/1/2006
أسامة الحويج العمر

امتلأ القمر الذي تحول إلى بدر قبل لحظات زهواً بنفسه، ثم نظر إلى الأرض نظرة جانبية وقال لها بنبرة تفيض كبراً:

أنا أجمل منك وأكثر نضارة ورشاقة! شعرت الأرض بأنها تلقت لسعة حارقة من سوط ناري، فأجابته بنزق: ما هذا الكلام التافه وغير المعقول؟! ألا ترى أيها الكوكب البارد ألواني الزاهية الجميلة من أحمر وأخضر وأصفر وبنفسجي، ناهيك عن الأزرق لون البحار والمحيطات.. الجميع يتغنى بسحري وروعتي. أجابها القمر بهزء: كل ذلك لا يعني شيئاً إذا لم تتخلص من البدانة، وأنت تعلمين تماما ما هي الأمراض التي يمكن أن تؤدي إليها البدانة، ناهيك عن أفول الجمال والنضارة خلال فترة قياسية، ألم تسمعي بآلاف القصائد التي نظمها آلاف الشعراء تغزلاً بجمالي وبهائي؟ لم أكن لأنغم بهذا المجد لولم أحافظ على رشاقتي، ينبغي أن تتداركي الموقف في الحال وإلا كانت النهاية المزساوية بانتظارك! شعرت الأرض بالغيظ الشديد من كلام القمر، لكنها تعمدت تجاهله دون أن تتمكن من نسيان مأتفوه به من ألفاظ حارقة، فهي تدرك تماماً بأنها جميلة وساحرة بما تمتلكه من بحار زرقاء وغابات خضراء وجبال شامخة وسهول معشوشبة، ناهيك عن الكائنات الحية من كل صنف ولون، وعلى رأسها يتربع الإنسان: هذا المخلوف المبدع المفكر الذي استطاع بناءحضارات عظيمة بما يمتلكه من ذكاءوقدرة لا مثيل لها على التأقلم مع شتى الظروف وكافة المستجدات، «هل يمتلك ذلك الكوكب الميت شيئاً من كل ذلك؟»، سألت الأرض نفسها بحسرة. لكن فكرة الرشاقة والقوام النحيل كانت تتضخم بداخلها لدرجة أنها تحولت إلى وسواس يؤرقها ليل نهار، وفي النهاية قررت إخضاع نفسها للحمية الصارمة المتمثلة بالتمارين الرياضية القاسية على مدى شهر كامل للتخلص من الوزن الزائد الذي عيرها به القمر لتثبت له بأنها الأجمل والأكثر رشاقة فبدأت بالدوران حول محورها بأقصى سرعة ممكنة على مدى شهر كامل وهي تتخيل نفسها رشيقة نحيلة تلهب خيال الشعراء والرسامين والموسقى بالمزيد من القصائد واللوحات والألحان. بعد انتهاء المدة التي حددتها لنفسها بدأت بالتخفيف التدريجي من سرعتها إلى أن عادت إلى سرعة دورانها الأصلية، سعدت كثيراً لها فقدت الكثير من وزنها، لكنها مالبثت أن سقطت في محيط من الكآبة السوداء عندما اكتشفت بأن جميع من كان عليها من البشر قد طاروا إلى الفضاء الخارجي، في وقت تزامن مع تحولها إلى كوكب ميت خال تماماً من الحياة، لا يمتلك القدرة حتى على عكس أشعة الشمس.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية