تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الرسام الروسي أناتولي ريبكين: الحب للطبيعة والحنين للمكان يحفر أشياء لاتمحى

ملحق ثقافي
الثلاثاء 24/1/2006
حــــوار علي حافـــظ

«... الثلجُ لا يزال يغطي الأرض, والمكان رطبٌ خاو, والريح تذََّرُ طرف معطفه وتملأ أذنيه بصفير الوحدة الموحشة.. هبط إلى القرية مع الغسق: ها هي البئر بذراعها العالية تتأرجح وتصر, والمنزل السادس بعدها هو منزل والديه...

فجأة توقف عن السير.. دسَّ يديه بجيبه هازاً رأسه, ثم انعطف متحركاً صوب المنزل... غاص بالثلج حتى ركبتيه, ومال نحو النافذة: رأى أمه بضوء المصباح الخافت, وهي تعد المائدة للعشاء.. كانت ترتدي نفس المنديل الغامق... لقد هرمت, وبرز كتفاها النحيلان! أعدت مائدة بسيطة: كوباً من اللبن, وقطعة خبز, وملعقتين, ومملحة..., ثم وقفت أمامها شاردة, هادئة, متأنية, طيبة.., وقد عقدت يديها إلى صدرها... ".. الزائر لمعرض الفنان أناتولي ريبكين (الذي أقيم في صالة المركز الثقافي الروسي بدمشق) يمر على هذه البانوراما الريفية الروسية, التي رسمها الأديب الكسي تولستوي في قصته " الفطرة الروسية ".. الفطرة التي تظهر واضحة من خلال عوالم أناتولي التشكيلية! الذي أمامكَ يبدو للوهلة الأولى إنساناً بسيطاً, لكن حين تبحر في أعماقه تجد قوة عظيمة..‏

قوة الجمال الإنساني وروعته.. تحتار أمام بساطته المذهلة, وتنشد إلى كرسي روحه؛ لتخرج وأنت تعانقه بحرارة؛ محملاً بعواطف جياشة صادقة, وأحلاماً ترفعكَ عن الأرض, حيث البياض.. البياض الكلي!!! < بداية لابد لنا أن نعرف شيئاً ولو قليلاً عنكَ... من هو أناتولي ريبكين؟ << ولدت على ضفاف نهر الفولغا - نهر روسيا العظيم.. بين أحضان غابات الصفصاف والبتولا..؛ وبالطبع منذ الصغر أحببت أن أصبح رساماً, لكن في الريف لم يكن هناك مدارس فنية ولا معاهد رسم, ولا حتى مستلزمات هذه الهواية الضرورية: ألوان, فُرَشٌ, أقمشة, قنب... رغم كل شيء أردت أن أرسم.. خرجت للطبيعة والثلج يحيطني حتى الخصر؛ ورسمت كهاوٍ, لأنه لم يكن لديَّ أي تحضير دراسي أو احترافي.. أحببت الطبيعة, وأعجبت بشيشكين, وهو يرسم الأشجار والأنهار والشمس... اعتبرت نفسي جزءاً من الطبيعة.. نعم أنا ابن الطبيعة!!! بعد الصف الثامن ذهبت إلى مدينة تشبوكسار للتقدم إلى المدرسة الفنية.. المدينة أخافتني؛ إذ لم أكن متأكداً أنني سأنجح بمهمتي.. عدت إلى القرية مباشرة! انتهت فترة التعليم الأساسي: الفتيات أكملن الدراسة الثانوية, والفتيان- وأنا بينهم - التحقوا بالمدرسة المهنية.. وبعد عامين من الدراسة أصبحت نجارَ موبيليا, حيث صنعت أشياءً من الخشب لأهلي وأقربائي وأصدقائي... في المدرسة المهنية كان هناك مرسماً, حاولت فيه أن أقلد لوحات شيشكين, فاسيلف, ورسامين روس آخرين.. هذا ساعدني كثيراً على معرفة ماهية الألوان الزيتية, وزرع في قلبي بذور الفن.. ما رسمته بتلك اللوحات كان إنجازاً عظيماً بالنسبة لشاب مبتدئ مثلي! عملت لثلاث سنوات متواصلة في مصنع للخشب قرب نهر أمودريا.. وبعد عام من ذلك نجحت بامتحان القبول للمدرسة الفنية في تشبوكسار.., وبعد فترة قصيرة قدمت طلباً للالتحاق بمعهد ريبين في أكاديمية الفنون السوفييتية في لينينغراد, حيث تعلمت في مرسم البروفيسور الكسندر زايتسين... < لكن المعرض الذي استمر لمدة أسبوعين تقريباً, لم تكن له دعاية مناسبة, ولا حتى "بروشور" تعريفي بكَ, رغم أنه يعد من أفضل معارض الرسم التي أقيمت في سورية خلال عام 2005؟! << أظن أن الحضور كان من رواد المركز, ومن محبي الفن الراقي.. هذا جميل أيضاً! < ما هي الانطباعات التي جمعتها خلال زيارتكَ لسورية؟ << زرت أماكن كثيرة في هذا البلد.. أماكن ذات بعد تاريخي وديني, مثل: معلولا, تدمر.., والجزء الأهم من مشاهداتي وانطباعاتي سينعكس في لوحاتي القادمة, وأنا أفكر بإقامة معرضاً في روسيا يكون الشرق محوراً رئيساً فيه! < سننتقل للكلام عن الفن: نحن نرى مساحة كبيرة للطبيعة, والفضاء الريفي الرحب, والغابة, والثلج, والحياة القروية البسيطة في لوحاتكَ, وكذلك هناك حضور مهم لمدينة سان بطرسبورغ - العاصمة الثقافية لروسيا؟ << كما قلت سابقاً ولدت في الريف, وكقاعدة: الفنانون, والكتاب, والملحنون.., الذين ولدوا في الريف يكونون - من وجهة نظري - أكثر قرباً من الطبيعة, وأكثر فهماً لها.. الحب للطبيعة والحنين للمكان الذي ولدت فيه وترعرعت بين ذراعيه؛ يحفر بالذاكرة أشياءً لا تمحى, حيث القلب يبقى ينبض بهذه الأغنية معطياً إياها صوته الخاص.. ومدينة سان بطرسبورغ ( لينينغراد سابقاً ) قريبة جداً من قلبي.. فيها درست, وفيها أعيش الآن.. هي قريبة بلياليها البيضاء, وأنهارها الكثيرة, وبيوتها الحميمة... < هل يؤثر تنوع الطبيعة على ألوانك؟ << زرت دولاً كثيرة: فرنسا, كوبا, الهند... أول ما لفت انتباهي فيها, ليس فن العمارة وجمال القصور وروعة المتاحف, بل الأرض التي أقيمت عليها تلك الصروح, وماذا يحيط بها من طبيعة!! ضروري للفنان التنوع الجغرافي لموقع هذا البلد أو ذاك, وأول شيء يرمز لهذا التنوع هو: الهواء, والشمس, والماء... بلد مثل الهند أو سورية هي بلاد ممتلئة بالشمس والهواء, ورسمها لا يمكن بتلك الألوان التي ترسم بها أجواء فرنسا أو كوبا! كذلك في روسيا لا تستطيع رسم جنوبها وشمالها بنفس الألوان! < ماذا أعطتكَ الطبيعة عندنا؟ << سورية قارة مجهولة بالنسبة لي.. حاولت اكتشافها قدر الإمكان.. كل يوم كنت أسافر مع أصدقائي إلى مكان ما.. المشاهد والانطباعات التي جمعتها, سأعيد صياغتها وتكوينها من جديد بمرسمي في سان بطرسبورغ. الانطباعات التي تركتها زيارتي لسورية كثيرة, ولها وقع خاص في نفسي.. هنا كل شيء مختلف.. لا يشبه أي مكان زرته: الجبال, والأشجار, والهواء, والبشر.. أشياء أصبحت حميمة إلى قلبي, وستكون ذات خصوصية في لوحاتي مستقبلاً. < هذا يذكرنا بالرسام - الفيلسوف الروسي ريريخ الذي استوطن في الهند, ومن ثم أقام هناك بقية حياته, وانعكس ذلك على فلسفته وألوانه, وحتى على طريقة رسمه! << نعم! هذا الفتح ( الاكتشاف ) الجديد شيء مهم للفنان, لكنني لن أغير طريقتي بالرسم كما فعل ريريخ! أعتقد أنه بعد زيارتي لسورية ستصبح ألواني أكثر نوراً! < هل يؤثر المكان على طريقة فهم الحياة والعالم؟ << طريقة فهم الحياة والعالم تتغير مع مكان إقامتك.. المحيط الذي نعيش فيه يساعدنا على إدراك كنه حياتنا, والعالم الذي نعيش فيه واسع وصغير بآن واحد.. هو متنوع وبنفس الوقت خاص تصوير عبد الله العجي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية