حمـــــزاتـــــوف رســول الشــعر والحــب
ملحق ثقافي الثلاثاء 24/1/2006 ترجمة واعداد: كمال فوزي الشرابي ولدت الروائية الأمريكية ذات الأصل الافريقي طوني موريسون في مدينة لورين بولاية أوهايو من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1391. من رواياتها الشهيرة (سولا،3791)، (المحبوب، 8791)، (جاز، 2991)،(الفردوس،7991) وكلها تتسم بطابعَيْ الواقع والحلم، وتعيد بناء الأساطير في الذاكرة الثقافية لزنوج امريكا.
تعتبر هذه الأديبة الكبيرة قدَراً أمريكياً. وهي على درجة عليا من التكامل والمثالية بحيث نكاد ننسى أنها أيضاً كاتبة كما في روايتها الأخيرة( حب) وما تحويه من وشوشات وألغاز وأسرار نسائية وخيانات غرامية. سيدة بلغت أعلى مراتب الشهرة. وتسحرك بحضورها لما تتمتع به من بساطة في تصرفاتها ومن صوت تلمس في همساته الوقار والعذوبة،ومن ضحكة ترن فجأة لتدل على انسانة متفائلة ماتزال تمثل نقاء المباشرة ونضارة الكلمة رغم جائزة البوليتزر عام 8891 وجائزة نوبل عام 3991،وهي أول امرأة من أصل افريقي-امريكي تحصل عليهما.. ومهما تكن الاعتراضات والشكاوى التي يرتفع بها صوتها ضد الادارة الحالية لجورج بوش،فان هذا الصوت يقنعك بأنك أمام امرأة أمريكية حقيقية، بلهجتها الصادقة وإخلاصها للواقع المعيش. إنها سليلة أقلية زنجية. ولدت في منطقة ألاباما من أب وأم جنوبيين، كان والد كل منهما من قاطفي القطن ثم تحررا بعد ذلك. تقول:« أما فيما يتعلق بأبي فان الرجل الأبيض في نظره كان شيطاناً يملك القدرة على كل شيء». وعمل هذا الأب مع يونانيين ثم مع ايطاليين وبولونيين، وبقيت صورته لدى الكاتبة مرتبطة بالغناء الافريقي، وقراءة الكتاب المقدس،و الكد المتواصل. أما بالنسبة اليها فانها تابعت دراساتها العليا ويمكن تصنيفها من حيث الإبداع في مرتبة مابين فيرجينيا وولف ووليم فوكنر. وتعتبر طوني موريسون رائدة ومناضلة ومثقفة لا تفتر عن التفكير والانتاج إذ تستيقظ للعمل مع مطلع الصباح. وتطلق عليها الروائية الانكليزية ميشيل روبيرتس صفة« السباقة الى تحرير المرأة». ثابرت كاتبتنا على العمل كناشرة خلال عشرين عاماً، وهي تجسد الخيال الزنجي، وممن نشرت لهم طوني كاد بامبارا، وغايل جونز، وأنجيلا ديفيس وسواهم. تزوجت ورزقت بطفلين، وبعد بضع سنوات اختارت الطلاق. وتعالج في رواياتها وبخاصة( المحبوب، 7891) أوضاع السفاح في الأسر، والمنظمة الارهابية الغلو غلوكس كلان التي يرتدي أعضاؤها أقنعة وألبسة بيضاء ويهاجمون في الليل الزنوج لبث الرعب في نفوسهم وقضِّ مضاجعهم، كما تعالج قضايا الزنوج الحفاة العراة قبل أن يصنعوا الثورة، و قضايا النساء الثريات المتوحشات اللواتي يركضن وراء لذاتهن ومتعهن ويحصلن عليها.. هؤلاء النساء تحلل طوني موريسون نفسياتهن وتهاجمهن لكي تبرز لنا صور عالمهن المادي الشهواني باسلوب يشفُّ بالاحساس والسحر. في روايتها الأخيرة(حب)نجد كيف يتنازع ورثة الملاَّك الغني بيل كوزي فيما بينهم ليحصلوا على حصصهم من فندقه الفخم الكبير على الشاطىء الشرقي حيث تأتي للراحة والاستجمام والتسلية كل البورجوازية السوداء الثرية. كل هذا كان يجري قبل حركة الحقوق المدنية وقبل ما يسمى بعهد الانفتاح. كان بيل كوزي، صاحب الفندق، قد توفي تاركاً وصية ترثه بموجبها زوجته وحفيدته ولهما العمر ذاته وتعيشان معاً وتكره إحداهما الأخرى الى أقصى حد، كما أوصى بأن ترثه أيضاً خليلته.. قد يكون العنف في هذه الرواية المأساوية الهزلية أقلَّ ظهوراً منهُ في روايات بقية الكتاب السود. هنا نعثر على بعض الحنان وبعض الملاطفة في الأحاديث والتصرفات، كما نعثر على نوع من أنواع النقاء الذي لاتخلو منه بعض النفوس البشرية.. بعد هذه المقدمة، وبمناسبة ظهور روايتها الاخيرة وعنوانها(حب) كما أسلفنا، كان لنا معها هذا اللقاء: < هل مازلت تمارسين التدريس؟ << كنت على وشك أن أطلب إحالتي الى التقاعد، لكنهم طلبوا مني البقاء خمس سنوات أخرى. لقد أوقفت محاضراتي في الأدب لكي افتتح« مرسم برنستون» حيث أدعو كبار الفنانين التشكيليين الذين يعملون مع طلابهم على برنامج خاص هم يخططون له وينفذونه، وأضرب مثالين على ذلك: دراسة موسيقا عازف التشيلو الشهير يويوما YOYOMA، ودراسة تدوم شهر ين لفن البيئة السردية عند غابرييل غارثيا ماركيز. في الدراسة اتكلم كثيراً أما مع الموسيقا أو التمثيل أو الرقص فأنا مستمعة نادراً ما أتكلم أو أعلق، لكني أحب أن ألاحظ بدقة كل شيء. في الماضي كانت لديَّ دروس تتعلق بالخلق الفني في الكتابة حيث كنت أساعد المواهب الشابة على التفتح، حتى ولو كان كثير من تلاميذي لايفكرون في ممارسة الكتابة. < منذ لقائنا الأخير هل تغيرت؟ ماهي مشاريعك أو رغباتك الجديدة؟ << نعم،لقد تغيرت.أشيخ! وأحاول ان يكون اقترابي من الكتابة مختلفاً، واكثر صعوبة وحميمية وتجرداً كما لو أن شخوص روايتي غير موجودين، وأن عليَّ أن أذوب في السرد. إنه لتحدٍ كبير يتطلب أشكالاً سردية أخرى. < تلك هي الحال مع روايتك الأخيرة( حب). انها تعبر عن استمرارية أصوات أكثر مما تعبر عن استمرارية أشخاص. <<السارد هنا يهمس همساً لاملامح واضحة لديه. وبعد أليس السارد هنا امرأة؟ انها ترافق الحبكة وتعلق على بقية الشخصيات. < «قبل أن تقبل النساء الظهور أمام الجمهور كان هناك أسرار.. اسرار للحفاظ عليها،وأسرار للكشف عنها.والآن؟ لاشيء،مادامت المجابهة هي المتبعة في هذه الأيام. أنا أُدندن». تلك هي كلمات الساردة لديك. فهل تمنحين تفكيرك الشيء ذاته؟ << كلا، إن الساردة تحكم بطريقة فظة، وأنا لا. في سني، أربع وسبعون سنة، يمكنني أن أتخذ وضعاً سلطوياً واحتقر بعض النساء اللواتي يصرحن بكل ما لديهن، لكني لاأفعل ذلك. < « عصر فيه يُعرَف كل شيء ولايُفهم فيه شيء» هذا ما تقوله الساردة أيضاً. و مع ذلك فانه لحكم ينطبق على عصرنا؟ << كنت أقوله بطيبة خاطر منذ عدة سنوات. أما اليوم فاننا مأخوذون بنوع من أنواع المظاهر المزيفة، بالاخلاص المزيف، الاخلاص الذي يتقبل الكذب وهو عارف بوقاحة ماذا ينجم عنه. أقول هذا بكل صراحة. ثمة قناع عام أو معَّمم نادراً ما يسقط ليبين الوجه الحقيقي للأشياء. < حين أصغي اليك لايمكنني إلا أن أفكر في الولايات المتحدة وحكم بوش.هل تخافين مما يجري حالياً؟ << هناك عدة أنواع من الخوف: خوف اقتصادي منشؤه قوة الدعاية التي تخشى الى حدٍ كبيرٍ فقدان كل ما يقترحه عليك الاستهلاك. انهم ليفرضون علينا حياة تتسم بالتخصيص حيث المدارس، والضمان الاجتماعي ،والحياة اليومية، كلها تخضع لديكتاتورية المنافع والمكاسب..وثمة خوف آخر يتعلق بالشعور بالخطر الدائم، باللاأمان من قبل الآخر، وهي فكرة تتسمك بها وسائل الإعلام. < لنعد الى الأدب. روايتك الأخيرة( حب) تحوي على الأقل ثلاثة فوارق مع الفوارق السابقة: شخص ذكر هو بيل كوزي، وهو في صميم العمل مع أنه متوفَّى. ثم إن الاطار التاريخي تنقصه الدقة الكاملة ويشمل عدة حقب. صحيح أن النساء هنا يكره بعضهن بعضاًَ لكن هناك نوعاً من الحنان المتبادل بينهن. << تشكل انفعالاتهن أكثر من تصرفاتهن صميم الحبكة: انها لرواية نفسانية،فيها عشق، وهي غنية بالأحاسيس. ثمة صلة منفعة متبادلة بين الأشخاص، شعور بروح الجماعة التي تربط ما بينهم. ثم ان الاطار التاريخي يتصف مع ذلك بالدقة: قبل حركة الحقوق المدنية وبعدها، قبل نظام الفصل العنصري وبعده. وكان فندق بيل كوزي، حين كان كل الجوار يتصف بالسواد، يمتلىء ببورجوازية ملونة لايميز بينها إلا مبدأ الطبقة والغنى. وذلك كما لدى كريستين وهيد، وهما رفيقان لاتفصل ما بينهما سوى الطبقة الاجتماعية التي ينتمي كل منهما اليها،و التي يحاول بيل كوزي ان يقرب بينهما. هناك شعور بالضياع يضفي على هذا الكتاب جواً من الكآبة.
|