يمضي الشاعر حياته حتى اللحظة في مدينته سلمية، يتنقل مع شعره من بيت إلى بيت بين أصدقاء من مختلف الأعمار، أصدقاء يعرفون قيمته الابداعية والأدبية، فهو يتقن كتابة الشعر بمختلف أشكاله كما أنه رسام وخطاط ولاعب شطرنج، وغير هذا وذاك يكتب الشعر المحكي الساخر أو ما يسميها العتابا الضاحكة.
حكى لي مرة قصة قصيدة الساعاتي التي نشرها في ديوان (الطفريات)، حيث أرسل ساعته للتصليح إلى مصلح الساعات الذي يعمل أيضاً في التدريس، ومضت الأيام والشهور ولم يصلّح المصلّح الساعة فختم معاناته بهجائية ساخرة تحكي قصة الساعة من لحظة وصولها إلى رفوف المحل.
وفي احد المرات استعار دراجة هوائية من صديق له، فسرقت الدراجة من تحت الدرج فهجا اللصّ في قصيدة سماها (دراجتي).
وعندما كان هناك مهرجان سنوي للشعر كان حضور الشيحاوي لافتاً ومميزاً ودائماً، فإذا كتب عن معاناة المعلم أوصل الوجع، و إذا سخر تمكن من ايصال جرعة السخرية، وفي ديوانه (آخ) تحدث عن وصية عقرب ولكم أن تتخيلوا عندما ينطق الشاعر بلسان عقرب.
يعيش حياته اليومية ببساطة الانسان النقي، وفي كل يوم له لقاء مع أصدقائه الراغبين بسماعه وهو يؤنس حضورهم بسخريته وحضوره الجميل، حاضر البديهة يرتجل الشعر ارتجالاً عندما يشعر ان ضياء الجلسة قد دخل إلى وجدانه.
ربما يتساءل الكثير من الأصدقاء عن خياره في العيش في مسقط رأسه، وفي الجواب نعرف أنها حياته التي اختارها هو بمحض إرادته وهو الذي تجذر في المكان وفي الوجدان كشجرة زيتون.
رغم الأسى العام الابتسامة لا تفارق روحه وهو العارف بقدرة الضحكة على الفعل في الزمن الصعب، وربما هو مثلنا جميعاً يدرك أن فضاءه الوحيد هو الشعر، الكلمة، وهل هناك اصدق من الشعر عن التعبير.
يقطف من بحر الحياة اليومية مواضيعه ويزخرفها بروحه الجميلة الطريفة، ويجيد فن الحصول على نهاية صادمة.
ورغم انه كرّس جلّ جهده للقصيدة الساخرة، إلا أنه كتب ايضاً في الغزل وفي الرثاء وفي موضوعات مختلفة.
من قصائده نقطف: «معاناة موظف»:
كل يا أخا الفقراء خبزا حــــــــــافا
حتى تعرض ياأخي الأكتافا
وإذا شكى مصران بطــــــــــــنك
قل له قرقرفإنك لن تذوق شقافا
كل يا أخا الفقراء خبزا شاكـــــــرا
نعم الإله وحدث الأضيافا
حكم الزمان عليك حكما قاطـــعا
لا يرتضي نقضا ولا إستئنافا
قالوا ارتكبت «وظيفة» وعقابها
عيش يعاني الجوع والتجفافا
كيف اتجهت لقيت بابا موصــدا
وعليه جمجمة تصيح حسافا
من سوء حظك أن غدوت موظفا
بمرتب لا يوقف استنزافا
مانفع إن زادوا المرتب ضعفــــــه
وتقافزت أسعارهم أضعافا
فاشتغل بتجارة بيضــــــــــــــــــاء أو
ســــــــــــــــوداء ليس خلافا
وارحم صغارك من زمان كــــافر
وغد الملامح يستذل ضعافا
لوكنت شحاذا بمدخل جامـــــــــــع
لكسبت في أسبوعك الآلافا
يا ميتاً يمشي بقدرة قــــــــــــــــــادر
تلك المعاجز لا تجيء جزافا
منذر شيحاوي الذي يوزع عطره الشعري في كل المنابر التي يكون ضيفها، يمتلك روحاً أنقى من النقاء ذاته، ولغته الشعرية التي تطير بجوانحها نحو مختلف المواضيع تستطيع فعل الكثير، وربما لو كان هناك نقد فعلي في سورية لاحتاج شعره إلى عدة كتب تبحث في عالمه الشعري الساخر.
هو ابن سلمية، التي يرى أنها كسورية تماماً، يعرف تماماً كيف يحبها، وكيف يرتب أوراقه الشعرية لتكون مرآة للحياة، مرآة للوجع المستمر. له ولأمثاله من طاقات سورية باقة ورد من حديقة الابداع السورية.
M3alouche@hotmail.com