وأقام جسراً دولياً في التاريخ عندما قدم أبجدية أوغاريت للعالم . فغدت في آن واحد مهوى أفئدة الأحرار ، وهدف الأعداء وشغلهم الشاغل جراء ما عكسته من خير عم على البشرية جمعاء وهذا ما لم يرق لمخططي الحركة الصهيونية بل أثار سخطهم وأشعرهم بخطر ما يتمركز في أعماق عشاق الحرية من روح التحدي والمقاومة لكل أشكال الاستعمار ، وشاهدنا في دمشق حيث تغنى روادها الأوائل بالحرية والحيوية منذ بدء التاريخ وإلى ما يشاء الله عزوجل.
ولطالما كانت الحرية والاستقلال هما هاجس شعب (سورية) العظيم ومحط اهتمامه انتفض ثائراً في وجه كل أشكال الارتهان كما انتفض على التراجع الذي جره الاستعمار من مخاطر وضعت العراقيل في العجلات وكانت المفاجأة لردود الأفعال التي أصابت العدو بالهذيان ،حيث وحدت قادة الأحزاب الوطنية قواها ورصت الصفوف في توجه واحد ضد الطغيان منذ زمن الانتداب الفرنسي وفي طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي امتشق راية النضال منذ أن بزغ فجره مطلع الأربعينيات وغدا الركيزة الأساس لما تحقق من تحولات اجتماعية متطورة ومنعطفات تاريخية وجهت البوصلة نحو تحقيق وحدة الأمة العربية في عالم شهد انبلاج ثورات عربية تحررية بدءاً من ثورة الاستقلال العظيمة وثورة آذار المجيدة وثورة حرب تموز /2006/ وليس انتهاء بانتصارات التشرينين تشرين التصحيح وتشرين التحرير بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد.
هذه الانتصارات أضاءت حلكة الظلام الدامس بنور حقيقة النضال ضد حروب كونية كانت ولم تزل غايتها استعمار (سورية ) العقبة الكأداء في وجه الصهاينة . فصبوا عليها حمم حقدهم ونار قوتهم العسكرية وبطشها ، ولكن رغم هذا كله حطم الشعب السوري العظيم خططهم وأفشل مشاريعهم وكان زوالهم الذي زعموا بأنه لن يزول فزال، وجن جنونهم ، وما اتعظوا بدروس ثورات العرب التحررية وعبرها وما أدركوا ما نبه إليه فلاسفتهم ومفكروهم وساستهم مما يمكن أن تجلبه لهم من مخاطر تنبئ بسقوط امبراطورية صناع الحروب أميركا في يوم قريب.
وما طال زمن التصحر والعطش حتى انهمرت أعطيات الثورات السورية بالندى فروى ما اعترى النفس والأرض من التصحر واخضوضرت بإيقاع أناشيد الانتصار ، ونبض الأفئدة ونفحات البيانات الثورية لحزب البعث الاشتراكي نذكر منها بيانه الأول إبان معارك الاستقلال وغدا على كل شفة ولسان ما نصه عرب سورية ! أيها العرب في جميع الأقطار !هذه ساعة الحساب لأعداء الأمة الذين لطخوا الأرض بآثامهم وجرائمهم منذ أكثر من قرن ، هذه هي ساعة العدل الالهية ... ساعة الثأر العربي ... تخطون فيها سطور تاريخ جديد يليق بماضي العرب المجيد.
وخصص الحزب قضية تحرر المرأة في المادة الثانية عشرة من دستوره جاء فيها : (تتمتع المرأة العربية بحقوق المواطن كلها والحزب يناضل في سبيل رفع مستوى المرأة حتى تصبح جديرة بتمتعها بهذه الحقوق ) كمانالت المرأة في ظل الحركة التصحيحية المباركة الأولوية في برامج العمل الوطني التي جسدها القائد الخالد حافظ الأسد والتنفيذ بقوله الشهير:
(إذا كنا نريد لبلادنا أن تنمو وتزدهر ، ولشعبنا أن يحقق النصر ، فلا بد للمرأة من أن تتحرر ، وأن تأخذ دورها الكامل غير منقوص في جميع مجالات الحياة ) .
وفي زمننا المعاش نشهد أن التاريخ يعيد نفسه وطاغوت العصر القديم هو نفسه كابوس العصر الجديد أميركا ومن لف لفها ما فتئت تصب حمم حقدها وجبروتها الغاشم على سورية ما ألهب جذوة النضال والحماس لترسيخ مواقف الشعب العظيم اليوم كما كانت في كل الأزمنة والأمكنة مواقف ثابتة ورائدة في الزمن الصعب يتنادى من كل جهة وصوب إلى الساحات في جميع المحافظات مطالبين ببتر كل يد آثمة تمتد على سورية وأعلنوا صرختهم مدوية أسمعت من به صمم واطربت لها خفقات الأفئدة وسالت الدموع فرحاً لمرأى الملايين التي اكتظت بها (ساحة سعد الله الجابري في حلب وفي دمشق ساحة الأمويين) في احتفال بهيج مهيب أعلنوا فيه بيعتهم للوطن وللقائد الأمل الدكتور بشار الأسد فأعادوا لنا صورة دمشق لؤلؤة الشرق بهجة يوم الجلاء وقد شدت أحزمة حبال النور في كل ناحية وصوب تضيء المهرجان المحتشد بالرجال والنساء ، شيباً وشباباً ،وهم يرقصون وينشدون القصائدالوطنية وأخذوا يهتفون مع الشاعر سعيد عقل لمجد سورية :
قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب
شآم ما المجد أنت المجد لم يغب
كما رددوا قصيدة الشاعر الكبير شفيق جبري في فرحة الجلاء، فأسمعوا الدهر هتافهم ، وأسمعوا من به صمم.
حلم على جنبات الشام أم عيد
لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العين والرايات خافقة
أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد
هذي بقاياك يا حطين بددها
لله ظل بأرض الشام ممدود
خير مثال الواقع
وفي ضوء هذا الوهج النضالي تولت المرأة موقع الريادة بها وخاضت معارك التحرير ونالت شرف الاستشهاد في الذود عن حياض الوطن وتولت مواقع متقدمة أمثال السيدة وصال فرحة رئيسة الحزب الشيوعي والدكتورة نجاح العطار نائبة رئيس الجمهورية والأديبة كوليت خوري مستشارة ثقافية والدكتورة بثينة شعبان التي فرض عليها العدو عقوبة اقتصادية، وهذا دليل واضح على ما عكسه نشاطها السياسي والإعلامي من تأثير لفضح مزاعم الأعداء في التدخل بشؤون سورية ناهيك عن دور السيدة بشرى كنفاني وشهيناز فاكوش عضو القيادة القطرية وغيرهن ... وغيرهن ... ممن شاركن في صنع القرار السياسي في الدول العربية وفي كثير من الدول النامية، وبدأن خطوات ملموسة في ميادين النهضة الحضارية لدرجة أن أي تنمية لا تأخذ بالحسبان دور المرأة تظل قاصرة عن مواكبة الحركة ، ولن يكتب لها النجاح . ولهذا دخلت المرأة معترك الحياة من أوسع الأبواب ومضت بخطى حثيثة واثقة مطمئنة لحاضرها وغدها في الأسرة والمجتمع والوطن ، وانتزعت مكانتهااللائقة بفضل حضارة منحت المرأة حقوقاً وميزات لم تمنحها إياها حضارة أخرى في العالم . ومهما بلغ حنق وطغيان قوى الظلم والبغي على الحضارة العربية فلن تتمكن تلك القوى أن تقيد ما أطلقه منهاج الحركة التصحيحية المجيدة ،فتلك النسوة وأولئك الرجال العظماء لهم حضورهم المجيد في كل صفحة بيضاء من صفحات التاريخ المجيد. وفي كل يوم يمر هو يوم متجدد يطل علينا فيه فجر التصحيح بوجهٍ جديدحاملاً في جعبته أحداثاً فاصلة بين قوى الشر وقوى الخير ، فأجد نفسي مشدودة إلى التجوال والتأمل في غراس ياسمينها على كل الصعد وفي مختلف نواحي الحياة ، وفي كل ذكرى نجد إنجازات تملأ المجلدات يتعذر علينا الإلمام بها في مثل هذه العجالة من الوقت وهذا معروف ولا أظن أن أحداً يجهل ما تحقق من إنجازات في زمن قياسي رغم كل ما يحاك ضد سورية من مؤامرات ودسائس وفتن . فسورية لم تدنس برفرفة علم إسرائيل. ولم يرتهن اقتصادها للبنوك الدولية والتعليم فيها شبه مجاني والطبابة فيها شبه مجانية ، وفيها الأمن والأمان تجربة ومثال.
وهذا لم يرق للأعداء فصبوا عليها حمم حقدهم ونار ترسانة أسلحتهم ،وهذا غيض من فيض ... قد يطول الوقت لمجرد التعداد.
حري بنا في هذه المناسبة أن نتأمل بدقة وإمعان لنصوب المسار ونحدد ما أنجز وما يجب أن ينجز بهدي رائدات رسمن معالم نهضة حضارية وعبدن دروب النضال بتضحياتهن التي فككت منظومة المفاهيم التقليدية والأعراف الدينية المتزمتة وثقافة المشعوذين التي منحت المرأة بعض العزاء والقوة لكي تناضل محاولة تحقيق الأجوبة على تساؤلاتها لأن قدر المرأة أن تشعر بالمسؤولية تجاه الحياة وتجاه الأجيال القادمة ، وأن تقدم حلولاً لهذه المشاكل ، فالصراع ليس بين المرأة والرجل ، بل هو بين التخلف والتقدم ، وما زال هناك الكثير من تلك المعوقات التي تحد من سعي المرأة لإثبات وجودها.
ولهذا لا بد من أن يتحقق العدل والإنصاف عبر منظومة من القوانين والتشريعات المتعلقة بالنساء بشكل خاص ، والتي من شأنها أن تخلق امكانيات جديدة ومهمة في النهضة الحضارية.
لا شك أن الحركةالنسائية موجودة الآن بقوة ، وحققت تقدماً ملحوظاً في بلدنا بشكل خاص ،والمطلوب هو تحقيق مجتمع عادل لنا جميعاً نساءً ورجالاً ،مجتمع تشارك فيه المرأة في تحديد الأولويات واتخاذ القرارات جنباً إلى جنب مع الرجل ، وحسن الختام ما نظمه الشاعر الكبير أحمد شوقي :
ويجمعنا إذا اختلفت بلادٌ
بيانٌ غير مختلفٍ ونطق
جزاكم ذو الجلال بني دمشق
وعز الشرق أوله دمشق