وجعل الناس يعيشون في رعب دائم، وفي قلق دائم يقنعنا أن مايجري يصنع ربيعاً ؟!
إذا كان للربيع في الطبيعة ملامح ومواصفات ومعايير، فماهو المعيار القائم على الصعيد السياسي للاقتناع بأن هذا الذي يحدث هو ربيع حقيقي يضع على الطريق الصحيح لصناعة تاريخ جديد مشرق ومقاوم ويجعل السوريين متفتحين كورود الياسمين الدمشقي..هل يكفي أن نصدق أو أن نتوهم سراباً تصنعه الإدارة الأميركية، والغرب الاستعماري، وإسرائيل بأنه الربيع المأمول، وأن نصدق ما تقوله وسائل إعلام ناطقة بالعربية ترتبط جذورها وتوجهاتها وأفعالها بجهات غربية وصهيونية عن هذا الربيع لنحسب أنفسنا في ربيع حقيقي، أو هل يكفي أن نردد مع هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم تسمية معارضين يتنعمون في فنادق خمسة نجوم، ويتنقلون بطائرات خمسة نجوم، ويتقاضون رواتب خمسة نجوم، ويعقدون المؤتمرات الصحفية واللقاءات التلفزيونية وهم من قبل لم يكونوا شيئاً لا في السياسة ولا في الفكر ولا في الثقافة. إننا في زمن الربيع ؟!. وهل يكفي على الصعيد الداخلي أن يختطف بعضهم باصاً يزدحم بالركاب ليقتل ركابه على الهوية وتقطيع أوصالهم، أو بطلب الفدية عنهم، أو اغتصاب النساء منهم ليكون معارضاً وإصلاحياً ونواة لقيام ربيع عربي تبشر به أميركا ؟!
مايجري في العالم العربي، وما يجري في سورية بالتحديد، يدفع بنا إلى الاقتناع بأننا نتجه نحو وضع كارثي، وأن الأمة العربية تتجه نحو مستقبل كارثي، وبأنها شرعت تغيّر علاقاتها بالتاريخ والجغرافيا وبالقيم الوطنية والقومية، وبالطريقة التي تريدها أميركا، وبصراحة أدق، بالطريقة التي تريدها الصهيونية.
سئل مسؤول غربي:
« لماذا تستضيفون هؤلاء الناعقين في بلدانكم، وتمنحونهم ألقاب معارضين وباحثين وسياسيين ومفكرين وأنتم تعرفون مضامينهم وأحجامهم «
أجاب المسؤول الغربي:
«مصالحنا تقتضي ذلك «
المعيار الشائع في زمن الربيع العربي كما تقول وسائل الإعلام والاستخبارات الغربية والصهيونية أن تستعمل أدوات هذا الربيع كل وسائل القتل والدم والتخريب والترويع والتمزيق تحت يافطات الإصلاح و يافطات المذهبية والعرقية، لأن من أهداف المشروع الصهيوني تمزيق العالم العربي وفق مشروع فشل الغرب في تحقيقه عسكرياً، مثلاً.. في لبنان فشل الإسرائيليون في هزيمة المقاومة، واقتنعوا أيضاً أن هزيمتها مستحيلة، والأكثر خطورة أن راحت ترسخ في العالم العربي اقتناعاً بهذه المقاومة وبدورها في رسم مستقبل ألق للعرب، فأحدثوا التفرقة والبغضاء بين اللبنانيين، وعندما فشلوا في محاسبة إيران أنتجوا فتنة الصراع « السني الشيعي» وموضوع الخطر النووي، وعندما فشلوا في إخضاع سورية، كان مايجري من نزيف للدم السوري بدعم أميركي وإسرائيلي معلن، لأن في تخريب سورية هدم للخندق الأخير للعروبة والمقاومة.
الشعارات واليافطات ووسائل الإعلام والتصريحات التي تتحدث عن الربيع العربي، مهما علا صراخها لن تقنعنا كجماهير عربية بأننا في الربيع، بل نحن في زمن الكارثة التي راحت تجتاح مساحات كبيرة من عالمنا العربي، فلم يحدث من قبل أن مشى العالم العربي خلف أميركا والغرب كما يمشي الآن، فالقوى التي تدعي الإصلاح هي قوى أنتجتها قوى الغرب الاستخبارية
إن من المفترض بالقوى الإصلاحية في سورية وفي العالم العربي أن تؤكد رفضها وعداءها أولاً للمشروع ألأميركي الصهيوني الذي يستهدف ضرب العرب والعروبة والإسلام والمسلمين ، ورفض ما تسوّقه الوسائل الإعلامية التي تموّل من الخارج، ورفض هذا العواء الطائفي والمذهبي والعرقي المنبعث من حناجر الغوغاء والقتلة والمتآمرين والمرتبطين بالمشروع الأميركي الصهيوني، بعدئذ نصدق أنهم يحملون مهام إصلاحية ،وأنهم إصلاحيون، فالإصلاح ضرورة وطنية وقومية وإسلامية، وهو الطريق لبناء أمة فاعلة قادرة على استعادة دورها المهزوم بفعل سياسات التفكيك الغربية التي تمارس على الأمتين الإسلامية والعربية منذ نهايات القرن التاسع عشر من قبل الغرب وقبل ذلك من قبل العثمانية التي وضعت العالم العربي في عتمة حضارية قاتلة للعقل والمنطق وفلسفة وجود الأمة.. ولكن مؤشرات الأحداث لاتدفعنا إلى الاقتناع بنتائجها..فالأحداث في سورية، تغطي الدم المسفوك وخطابها الطائفي والمذهبي، بقميص الثورة التي ترسم خطوطها المعاكسة لحركة الثورات، ولحركة التاريخ أصابع أميركية وصهيونية، لأخذ الأمة نحو نعشها.