ووجدت عيني معلقتين على الوهج الصادر من الأعواد المشتعلة ورأيتني أغرق في بحر التأملات وأمضي بعيداً عمن حولي بينما جسدي يركن هادئاً قرب الموقد.
رحلت نحو عصور غابرة عبد فيها الإنسان النار لإيمانه بعظمتها وجلالها قبل أن تتفتح مداركه وتأتي الرسالات السماوية لتؤكد وجود خالق أكثر عظمة وإجلالاً.
لكن شأن النار بقي كبيراً وخصوصاً بعد أن عرف أنها أحد الأركان الأربعة التي اعتمد عليها نشوء الطبيعة وهي: الماء، الهواء، التراب، النار.
ويقيني أن الأهمية الحقيقية للأخيرة تكمن في قوتي الخير والشر.
فحياة البشر لا تستقيم دونها أما إذا استعرت وامتدت فإنها تحرق كل شيء.
وللعرب معها قصة طويلة لأنها جزء من تراثهم.. فلا يكاد يمر أمر أو تعرض مناسبة أو يجد حدث دون أن يشعلوا النار إيذاناً بالأمر وتذكيراً بالمناسبة حتى بلغت أسماؤها عندهم قرابة أربعة عشر اسماً أعرض لها بإيجاز: نار الحليف أو المهول: يقسمون عندها ويحلفون ، يلقون بها ملحاً يصدر صوتاً يهول الأمر على الحالف.
نار الاستسقاء: يشعلونها إذا أرادوا أن يستسقوا في أذناب البقر وظهورها بعد أن يعلقوا بها أغصاناً من أشجار البادية.
نار الحباحب: وهي النار التي تحدث من جراء تصادم الحجارة ببعضها دلالة على قلة النفع.
نار المزدلفة: توقد بالمزدلفة حتى يراها من في عرفة.
نار الغدر: إذا غدر الرجل بجاره تشب بمنى أيام الحج، ويقولون.. هذه غدرة فلان.
نار الفداء: حيث تطلب الفدية عن النساء السبيات بضوئها كي لا يفتضحن في ضوء النهار.
نار السلامة: وتعني الترحيب بمن قدم من سفره سالماً.
نار الأحبة: تكون على مرتفع إيذاناً وإعلاماً لمن بعد عن دياره.
نار الزائر المغادر: وتوقد خلف الزائر المرغوب برجعته.
نار الصيد: يعشون بها أبصار الحيوانات فيسهل صيدها.
نار القرى: توقد ليهتدي بها أبناء السبيل لإطعامهم.
نار الحرتين: وهي النار التي أطفأها الله عز وجل لخالد بن سنان حين دخل فيها وخرج سالماً.
نار الملدوغ: تفاؤلاً بالشفاء.
نار الوسم: حيث كان وسم الناقة يتم بالنار لتمييزها.
هذا وقد ورد ذكر النار في القرآن الكريم 145 مرة.. عدد فيها صفاتها، ووردت بمعان مختلفة حسب الآيات التي جاءت فيها وأسباب نزولها ومناسباتها.
ويمكن أن نسميها بالأسماء التسعة التالية: نار القربان، نار ابراهيم عليه السلام، نار موسى عليه السلام. نار ذي القرنين، نار ابليس والجان، نار الحرب، نار الدينار، نار العصاة.
النار مضافة إلى خزنتها.
أبجدية النار فلسفة قائمة بذاتها لها رمزها ومدلولها وسرها الذي لا نستطيع الإحاطة به مهما أوتينا من معرفة.
صحوت من تأملاتي. عدت إلى أرض الواقع وعيناي لاتزالان معلقتين على الوهج الذي بدأ يخبو.. وفي الرماد الكمون!.