وقد توقف الشاعر عند أبرز المحطات في حياة كل من الشعراء كمال ناصر, راشد حسين, (أبو سلمى) عبد الكريم الكرمي, حسن البحيري....
ولم يكن اختياره لهؤلاء مصادفة, بل كانت تربطه بهم صداقات وعلاقات, وكان الأقرب إلى قلبه(أبو سلمى), وحسن البحيري.....
كمال ناصر...شهيد الشعر
في شارع فردان, وفي العاشر من نيسان 1973 اغتال الصهاينة ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية كمال عدوان, محمد يوسف النجار, وقد خصوا الشاعر كمال ناصر بقتل مختلف, حيث أطلقوا عشر رصاصات على فمه, وقد انصب حقدهم الأسود على فم الشاعر, وماذا في فمه سوى الحروف والكلمات...
كان كمال ناصر, كلمة طيبة, هذه الكلمة هي التربة الجيدة التي تغوص في أعماقها بعيداً, جذور النضال والثورة, وهي رغيف المقاتلين الحار الذي يحمله الفتيان والرجال في جيوبهم وقلوبهم.....
في قصيدته (من الأعماق):
يقول مخاطبا الشاعرة فدوى طوقان....
أنا مثلما شئتني أن أكون
وشاءت لي الحادثات الصعاب
كبرت على الذل لا أرتضيه
ولي موطئ خالد في السحاب
وأحببت داري فلذ لقلبي
بلوغ المنى.... واقتحام العباب
نعم...فكلمة الشعر الحقيقية.... هي التي قتلت كمال ناصر, فياله من قتيل عظيم, وكان شهيد الشعر في معركة كان ينبغي أن تخاض بالرصاص والقنابل....
أبو سلمى.. صوت الثورة الفلسطينية
نشأ أبو سلمى وفتح عينيه على هموم العروبة ومشكلاتها وثوراتها وأوجاع أهلها.... وكان الأقدر على نقل الوجع الفلسطيني والأقوى على المواجهة, ورفع صوت الثورة الفلسطينية عالياً, فكان بحق زيتونة فلسطين, زيتها يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار....
ساهم في تأسيس الإذاعة الفلسطينية, وتنقل بين المدن العربية, كما تنقل في شعره بين مختلف تضاريس الألم العربي, وكانت قصيدته تحمل دائماً النبرة الفلسطينية والهم الفلسطيني, ويبرعم فيها بين الحروف والقوافي... كل أمل فلسطين....
على أن في شعره وفرة في القيم الموسيقية التي تلف شعره حتى لكأن أبيات شعره وقوافيه تغني وحدها.....
وأبو سلمى.... لايسلك في بيان مشاعره سبلاً مباشرةً بل يتخفى خلف الصور والإشارات التي تدل على المعاني التي يرمي إليها... ومن كلماته) إننا نرى أوطان البشر من خلال وطننا, ونتعرف إلى مآسي الشعوب من خلال مأساة شعبنا... ومن خلال ثقافتنا الوطنية ننفذ إلى ثقافات العالم....
البحيري.. زيتونة فلسطين الرابعة
ولد حسن البحيري في حيفا عام 1921، وعاش حياة عصامية بكل ما في الكلمة من معنى, وكان له همان (لغة العرب وفلسطين)...
هو واحد من زيتونات فلسطين المباركة(أبو سلمى, ابراهيم طوقان, عبد الرحيم محمود) وهو أيضاً من أوائل المثقفين الذين شعروا بأن الكلمة لاتكفي لمواجهة المؤامرة الكبرى على فلسطين خاصة والعرب عامة, فإذا هو ينخرط بالكفاح المسلح وسجل له التاريخ أنه فجر (مطاحن فلسطين الكبرى) بصهريج محشو بالمتفجرات....
والجديد في منزل الشاعر الدمشقي أنه أصبح أشبه بمتحف لفلسطين وفلكلورها, وأوصى بأن يوقف هذا البيت بعد وفاته مركزاً ثقافياً باسم فلسطين وأن تحمل قاعة فيه اسم حيفا وأخرى اسم الكرمل.....
كتب البحيري في الأنواع الأدبية كلها(القصة, الشعر, المقالة, الترجمة,.....), وترك خمسة عشر ديواناً شعرياً, منها الأصائل, الأسحار, أفراح الربيع, ابتسام الضحى....
وكان ايضاً أول من ترجم عن الانكليزي قصة الأمير السعيد, أحب البحيري دمشق, ولكن حيفا كانت حبه الأول والأخير,
كتب عنه صديقه شاكر مصطفى: (كان الأستاذ البحيري شاعراً معروفاً قبل أن يصدر لي حرف, وسيبقى الشاعر المرموق ما دام للناس شعر).
راشد حسين.. الشعلة الفلسطينية
ولد في الجليل عام 1936, وعمل مدرساً إلى أن طردته سلطات الاحتلال، ثم عمل محرراً لجريدة(الفجر), وشارك في تأسيس منظمة الأرض داخل فلسطين المحتلة, كما عمل في الترجمة من العبرية إلى العربية وبالعكس....
كانت لراشد حسين مقدرة خاصة مدهشة لتطويع الشعر لأي فكرة يريد أن يعبر عنها, وكان يرى القدس في كل شيء, ويتفتح حلمه الفلسطيني في (يوميات دمشق) التي كتبها أثناء حرب تشرين... وفي تلك الأيام يحس أن البندقية أهم من القلم...
يقول:
حبيبتي... إذا رأيت والدي اسأليه
بأي حق علمني كتابة الشعر
ولم يعلمني القتال؟؟
بأي حق.... أنا فلسطين...
ومن حبي... أنا ايضاً دمشق....
ومن آخر قصيدة له نقتطف...
نعم يا دمشق....
ستزداد فيك ضياء جميع الشموع الكبيرة...
وتكبر كل الشموع الصغيرة....
وتنطفئ تلك الشعلة الفلسطينية رائعة اللهب التي اسمها راشد حسين, ويبتعد كالصدى ذلك الصوت الجميل, ولكن لا يزال موجوداً بيننا...