أم هي مخطط لإيجاد صيغ أكثر انسجاماً مع تطلعات الرئيس صالح، وهذا يجعلنا أمام احتمالات عديدة مايجعلنا أمام واقع في اليمن يستبعد فيه حل قريب للأزمة المستفحلة، وخصوصاً أن حدة الاشتباكات تتصاعد في أنحاء مختلفة من اليمن.
على مدار الأشهر الأخيرة تمحورت الأنباء السياسية المثيرة في اليمن حول احتمال توقيع الرئيس علي عبد الله صالح الخطة الخليجية للخروج من الأزمة ومايرتبط بتلك الخطة من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مايعني تنحيه عن السلطة سلمياً.
إلا أن تصريح الرئيس اليمني مؤخراً بشأن استعداده بقبول هذه الخطة أجج شعار الأحداث السياسية في البلاد بدلاً من أن يخمده، خصوم النظام يعتقدون بأن صالح ربما بات مستعداً لترك منصبه لكنه يريد أو يبدو هكذا من خلال حديث خصومه أنه يريد لنفسه ليس مجرد حصانة من دون المحاكمة والملاحقات القضائية، وإلى ذلك يبقى الأمر غامضاً حتى الآن، ما إذا كانت موافقة صالح على توقيع خطة التسوية الخليجية نهائياً، أم إن الرئيس اليمني يسعى هذه المرة أيضاً إلى كسب الوقت على أمل حصول انقسام عميق في المعارضة وتراجع حدة الاحتجاجات، وثمة مخاوف من أن الأوضاع في اليمن قد تصل في حال طالت الأزمة السياسية أكثر، إلى حرب أهلية فعلية بين أنصار صادق الأحمر شيخ قبيلة حاشد والقوات الموالية لصالح، وفي وضع متأزم كهذا يؤججه فضلاً عن ذلك نشطاء «القاعدة»، يغدو اجراء الانتخابات وانتقال السلطة السلمية أمر بعيد الاحتمال، فيما يبقى الغموض يلف مصير اليمن.
ويمكن القول: إن تنظيم القاعدة وخلاياه المتشعبة يشكل تهديداً للأمن الدولي، وهذا يجعلنا نقف مطولاً عند ذلك، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن أين ستقاتل الولايات المتحدة فروع التنظيم في المستقبل المنظور، وهل اليمن على سبيل المثال مهدد بأن يغدو أفغانستان أخرى، وهل عادت الروح إلى القاعدة ارتباطاً بمايسمى بالربيع العربي؟ رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها تنظيم القاعدة على سلسلة عمليات مختصة أجرتها الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة لايزال هذا التنظيم يشكل باعتقاد واشنطن خطراً كبيراً على الأمن الدولي، وبحسب تصريح المدير الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بتريوس أن الخطر الأكبر على الولايات المتحدة ينطلق من تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ومقره في ليمن ونظراً لذلك تطرح توقعات بتعديل جغرافية التدخل العسكري الأميركي في الوطن العربي في فليس مصادفة أن يشرع الأميركيون ببناء متسارع لقاعدة سرية في إحدى الدول الخليجية من أجل عمليات ضد شبكة القاعدة في الجزيرة العربية، وينتظر أن تنطلق منها طائرات غير مأهولة لضرب الإرهاب في اليمن، وطبعاً كل ذلك بحسب تحليلات الإدارة الأميركية ونظرتها المستقبلية في هذا الإطار.
لابد من العودة قليلاً إلى الوراء، فالتعاون الأميركي اليمني في مجال مكافحة الإرهاب تم العمل به سابقاً وبقوة وكان آنذاك لايبدو واضح المعالم والأهداف، وكذلك الأمر بالنسبة للمد الذي سيستغرقه والنطاق الذي سيمثله، وحينذاك كان يوجد ارتياب وشكوك بالمسار الذي سيتخذه التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب.
من هذه المؤشرات أن الأهداف الأميركية المعلنة غير مرة بشأن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه هي أهداف مطاطة ضبابية المعالم وفضفاضة، تدفع العديد من المراقبين والمحللين آنذاك إلى الارتياب بتلك الأهداف التي تبقى في نظرهم مفتوحة على كل الاحتمالات ، وتستند هذه التحليلات في تلك الفترة إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين، التي ذهبت في أكثر من مناسبة إلى التأكيد على أن الحرب ضد الإرهاب هي حرب مفتوحة ومتعددة الجبهات، مايبعث لدى الكثيرين الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية تسعى من وراء ذلك كله إلى تحقيق أهداف استراتيجية تتعدى مجرد محاربة الإرهاب إلى إيجاد موطىء قدم لها في المناطق الحيوية والاستراتيجية، ومن هذه المناطق اليمن، وهذا مايفسر مايجري على أرض اليمن، ولابد من القول إنه جرى على اليمن سابقاً ضغوطاً غير مسبوقة بحجة التعاون ضد الإرهاب.
كل تلك المؤشرات التي تحدثنا عنها جعلت المراقبين والمحللين والقوى السياسيةوالشارع اليمني آنذاك للتخوف من النيات الأميركية والحذر من أساليب ابتزازية تنطوي على حسابات أبعد من مجرد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب إلى تحقيق مطامع استراتيجية لاتخدم سوى مصالح واشنطن على الأمدين المتوسط والبعيد، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب التي تسعى الإدارة الأميركية إلى توظيفها واستثمارها لخدمة أهدافها في المنطقة مستفيدة من المناخ الدولي آنذاك والتي أفرزته تفجيرات الحادي عشر من أيلول وماتلاها من تعبئة وحشد للمجتمع الدولي لمحاصرة ومكافحة الإرهاب، وهذا ما أعطى لواشنطن حينها الذريعة الكافية لممارسة مزيد من الضغوط على بلدان العالم، وكان التأكيد سابقاً أن الضغوط التي تعرض لها اليمن كانت عبارة عن ابتزاز تمارسه الإدارة الأميركية على خلفية حسابات أوسع وأشمل من مجرد مكافحة الإرهاب، تدفع إلى التشكيك والارتياب.
وكانت الخشية في تلك الفترة حول الحسابات الأميركية وماذا تريد من أبعاد إقليمية تشكل ازعاجاً إلى دول المنطقة المجاورة إلى اليمن، وبالطبع تهدف من وراء كل ذلك واشنطن إيجاد موضع قدم لها في ليمن، وكل ذلك وفق حسابات حددتها سابقاً وتحددها لاحقاً لخلط الأوراق في المنطقة على نحو غير مسبوق ، وهذا يجعلنا أمام ماتحدثنا عنه وبشكل مقتضب عن نيات الإدارة الأميركية سابقاً تجاه اليمن وكيف تعاملت معه، ومايجري الآن على الأرض اليمنية، أن الأزمة اليمنية حلولها ليست سريعة، وبالطبع كل ذلك مرهون بماذا تفكر الإدارة الأميركية وماذا تريد من الخليج عموماً إن كان على المدى القريب أوالبعيد.
ولابد من القول: إن التفاؤل الذي أبداه العسكريون الأميركيون في أعقاب مقتل أسامة بن لادن أخذ يتلاشى، ولاتزال بعيدة جداً المسافة الزمنية التي توقعها وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في صيف عام 2011 لتصفية شبكة القاعدة بالكامل ، فعلى الرغم من أن الدوائر الأمنية الأميركية ترتفع بين الحين والآخر تقارير عن تحسين تكتيك وطرق مكافحة الإرهاب الدولي تواصل شبكة القاعدة نشاطها من خلال تنظيماتها المتواجدة في شمال إفريقيا والجزيرة العربية والعراق وأفغانستان و باكستان ، ويبدو أن ملحمة صراع الأميركيين مع القاعدة على خلفية مايجري في المنطقة العربية سيشتد وطيسها في اليمن وربما في ليبيا والصومال؟!..